يستوجب الحماية ، وكان من أهم ما يعني الاستعمار وشياطين الاستعمار وأذناب الاستعمار أن يقطعوا الصلة التي تربط الشرق بماضيه المشرق المنير ، وأن يحولوا بينه وبين التطلع إلى حضارته التي أضاءت العالم كله يوم كانت قيادة العالم في أيدي أهل الشرق ، ويوم كانت قيادة العالم في أيدي العرب من أهل الشرق خاصة ، ذلك لأنهم يعلمون أن الشرق الإسلامي والعرب منه خاصة ـ إن تلفتوا إلى هذا الماضي المجيد رأوا إشراقه وبهاءه فتاقت أنفسهم إلى العودة إليه ، وقد يعملون على إعادته ، وحينئذ لا يكون لبقاء الاستعمار بينهم مجال ، ويعلمون ـ مع ذلك أنه ما من أمة انقطعت صلة ما بين حاضرها وماضيها ـ وبخاصة إذا كان هذا الماضي مشرقا مجيدا ـ إلا صار أمرها إلى فناء.
وطال على الشرق هذا الليل البهيم حتى نال الاستعمار بعض أمانيه ، بالإرهاب والجبروت حينا ، وبالخديعة والمكر والدسائس حينا آخر ، فإذا وحدة الشرق تتفتت ، وإذا كل قطعة من هذا الفتات دولة ، وإذا بأس هذه الدول بينهم شديد ، وإذا الجفاء والبغيضة يحلان محل الإلاف والوحدة ، وإذا مجدهم التليد وحضارتهم الرفيعة وتاريخ هذه الحضارة وعلومها ورجالها في زوايا النسيان ، وقد أخذهم بريق من حضارة الغرب يفتن أبصارهم ، بريق ليس هو بالنور الساطع الذي يبدد غياهب الظلام ، ولا هو بالنور الذي يعقبه ضوء ينتشر في الأفق فإذا الناس يسيرون فيه آمنين ، ولكنه بريق يشبه بريق السراب الخادع الذي تراه فتحسبه شيئا فإذا جئته لم تجده شيئا ، وخدعهم هذا البريق عن حضارتهم وتاريخها وعلومها ، ولم ينالوا به شيئا ذا بال من حضارة الغرب وعلومها ذات الأثر الفعال في بناء الأمم وتجديدها وبعث الحياة في أوصالها ، وإذا المتعلمون والمثقفون من أبناء هذه البلاد التي كانت مبعث العلم والثقافة أقلية قليلة بقدر ما يحتاج إليه المستعمر في وظائف الدولة التي يزهد رجاله في تقلدها ، وإذا علم هذه الأقلية وثقافتها ضئيلان بقدر ما يجعلها آلات يديرها الاستعمار ويحركها في أهوائه ، تسير إذا أراد أن تسير ، وتقف كلما أراد لها الوقوف.
ولأمر أراده الله ، ولم تكن للاستعمار فيه يد ، بقي معدن هذه البلاد وأهليها سليما نقيّا صالحا للعمل إذا نفض عنه الغبار ، وأزيل ما علق به من الصدأ ، وجلي جلاء يعيد