وأقول : العاشر من المرفوعات ـ وهو خاتمتها ـ الفعل المضارع إذا تجرّد من ناصب وجازم كقولك : «يقوم زيد» و «يقعد عمرو».
فأما قول أبي طالب يخاطب النبي صلىاللهعليهوسلم :
١٠٠ ـ محمّد تفد نفسك كلّ نفس |
|
إذا ما خفت من شيء تبالا |
فهو مقرون بجازم مقدّر ، وهو لام الدعاء ، وقوله «تبالا» أصله «وبالا» فأبدل الواو تاء ، كما قالوا في وراث ووجاه : تراث ، وتجاه :
وأما قول امرئ القيس :
______________________________________________________
١٠٠ ـ هذا بيت من الوافر ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٠٨) ولم ينسبه ، ولا نسبه الأعلم ، وأنت ترى المؤلف قد نسبه إلى أبي طالب ، ومن الناس من ينسبه إلى ابنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللّغة : «التبال» سوء العاقبة أو الهلاك ، وهو بفتح التاء ـ بزنة سحاب ـ وأصل فائه واو ، فأصله الوبال ، فقلبت الواو الواقعة في أول الكلمة تاء ، وهذا القلب قليل في الواو المفتوحة ، ولكنه يكثر في المضمومة ؛ فمن ذلك قولهم «جلست تجاه فلان» فإن أصل هذه التاء الواو ؛ لأنه من المواجهة فأصل تجاه وجاه ، وكذا قولهم «تخمة» فإن أصل هذه التاء واو ؛ لأنه من الوخامة ، فأصل تخمة وخمة ، فأبدلت الواو تاء قصدا للتخفيف ، ومن هنا تعلم أن تنظير المؤلف التبال بالوجاه ليس دقيقا.
الإعراب : «محمد» منادى بحرف نداء محذوف ، وأصل الكلام : يا محمد ، «تفد» فعل مضارع مجزوم بلام دعاء محذوفة ، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها ، «نفسك» نفس : مفعول به لتفد ، ونفس مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه «كل» فاعل تفد ، وكل مضاف و «نفس» مضاف إليه ، «إذا» ظرفية تضمنت معنى الشرط ، «ما» زائدة ، «خفت» فعل وفاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، «من شيء» جار ومجرور متعلق بخفت ، «تبالا» مفعول به لخاف ، وجواب إذا محذوف يدل عليه سابق الكلام.
الشّاهد فيه : قوله «تفد» فإنه فعل مضارع لم يتقدمه في اللفظ ناصب ولا جازم ، ولكنه جاء على صورة المجزوم ، ولذلك قدره العلماء مجزوما بلام أمر محذوفة ، وأصله لتفد ، قال الأعلم : «الشاهد فيه إضمار لام الأمر في تفد ، والمعنى : لتفد نفسك ، وهذا من أقبح الضرورة ، لأن الجازم أضعف من الجار ، والجار لا يضمر ، وقد قيل : إنه مرفوع حذفت لامه ضرورة ، واكتفى بالكسرة ، وهذا أسهل في الضرورة وأقرب» اه. كلامه.