أحدها : ما يجب اقترانه بها (١) ، وهو حرى واخلولق ، تقول : «حرى زيد أن يفعل» و «اخلولقت السماء أن تمطر» ولا أعرف من ذكر «حرى» من النحويين غير ابن مالك ، وتوهّم أبو حيّان أنه وهم فيها ، وإنما هي حرى بالتنوين اسما لا فعلا ، وأبو حيان هو الواهم ، بل ذكرها أصحاب كتب الأفعال من اللّغويين ، كالسّرقسطيّ ، وابن طريف ، وأنشدوا عليها شعرا ، وهو قول الأعشى :
١٢٦ ـ إن يقل هنّ من بني عبد شمس |
|
فحرى أن يكون ذاك ، وكانا |
______________________________________________________
يعم المستثنى وغيره ؛ فيصبح استثناء متصلا ، فكأنه قال : ليس بها شيء إلا اليعافير وإلا العيس ، أو يتوسع في المستثنى حتى يجعل من جنس الأنيس : أي ما يؤنس به ، فيكون الاستثناء متصلا أيضا ، والمقصود أنه يجعل هذا ونحوه من نوع الاستثناء المتصل : إما بالتجوز في المستثنى منه ، وإما بالتجوز في المستثنى ، وهذا ميل إلى استبعاد مجيء المستثنى المنقطع فافهم ذلك وتدبره ، والله يعصمك.
١٢٦ ـ هذا بيت من الخفيف ، وقد نسبه المؤلف إلى الأعشى ، والظاهر أنه يريد الأعشى ميمون تبعا لجماعة ، والبيت ليس مما ثبت روايته عن الأعشى ، ولذلك لا تجده في ديوانه الذي شرحه أبو العباس ثعلب.
الإعراب : «إن» شرطية ، «يقل» فعل مضارع مجزوم فعل الشرط ، وفاعله ضمير مستتر فيه ، «هن» ضمير منفصل مبتدأ ، «من بني» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ ، وجملة المبتدأ خبره في محل نصب مقول القول ، وبني مضاف و «عبد» مضاف إليه ، وعبد
__________________
(١) ههنا أمران ؛ الأول : أن تعرف لماذا كان خبر هذين الفعلين واجب الاقتران بأن المصدرية ، وجواب ذلك أن نقول لك : إن هذين الفعلين يدلان على رجاء المتكلم وقوع خبرهما ، والفعل المرجو ـ وهو هنا الخبر ـ لا يكون حصوله في زمن التكلم ، وإلا لما ترجى المتكلم حصوله ، وإنما يتراخى حصوله عن وقت الكلام ، والأصل في الفعل المضارع كونه صالحا للحال وللاستقبال ؛ فاحتيج إلى أن تقترن به أن المصدرية التي تمحضه للاستقبال ؛ لكي يتطابق زمنه مع زمن وقوعه بالنظر إلى كونه مرجو الحصول.
وأما الأمر الثاني فهو : أن المصدر الذي ينسبك من الفعل المضارع وأن المصدرية اسم حدث ، وأسماء هذين الفعلين قد تكون أسماء من أسماء الذوات ، كالمثالين اللذين مثل بهما المؤلف ؛ فينتج عن ذلك أن يقع الاسم الدالّ على الحدث خبرا عن اسم دالّ على ذات ، وقد سبق للمؤلف أن بين أن ذلك لا يصح إلا على تأويل ، ونحن نجيب على ذلك بأن الكلام ههنا على تأويل ، وذلك بواحد من ثلاثة أوجه : أولها أن نقدر مضافا هو اسم معنى قبل اسم هذين الفعلين ؛ فنحو «حرى زيد أن يفعل» يصير تأويله : حرى أمر زيد الفعل ، وثانيهما أن نقدر مضافا هو اسم ذات قبل الخبر ، فيصير تأويل هذا المثال : حرى زيد صاحب الفعل. والثالث : ألا نقدر مضافا لا قبل الاسم ولا قبل الخبر ؛ ولكن نقصد المبالغة ؛ فكأنك بالغت في زيد حتى جعلته نفس الفعل ، وبالغت في السماء حتى جعلته نفس الإمطار.