فضرورة ، وقيل ، الأصل فأستريحن ، بنون التوكيد الخفيفة ، فأبدلت في الوقف ألفا كما تقف على (لَنَسْفَعاً) [العلق ، ١٥] بالألف ، وهذا التخريج هروب من ضرورة إلى ضرورة ؛ فإن توكيد الفعل في غير الطلب والشرط والقسم ضرورة.
وقولنا «طلب» يشمل : الأمر ، والنهي ، والدعاء ، والعرض ، والتّحضيض ، والتمني ، والاستفهام ؛ فهذه سبعة مع النفي صارت ثمانية (١).
وهذه المسألة التي يعبر عنها بمسألة الأجوبة الثمانية ، ولكل منها نصيب من القول يخصه ، فلنتكلم على ذلك بما يكشف إشكاله فنقول :
أمّا النفي فنحو قولك : «ما تأتيني فأكرمك» : ولك في هذا أربعة أوجه :
أحدها : أن تقدر الفاء لمجرد عطف لفظ الفعل على لفظ ما قبلها ، فيكون شريكه في إعرابه ، فيجب هنا الرفع ؛ لأن الفعل الذي قبلها مرفوع ، والمعطوف شريك المعطوف عليه ، فكأنك قلت : ما تأتيني فما أكرمك ؛ فهو شريكه في النفي الداخل عليه ، وعلى هذا قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات ، ٣٥ و ٣٦] ، فالفاء هنا عاطفة كما ذكرنا ، والفعل الذي بعدها داخل في سلك النفي السابق ، فكأنه قيل : لا يؤذن لهم فلا يعتذرون.
الثاني : أن تقدر الفاء لمجرد السببية ، ويقدر الفعل الذي بعدها مستأنفا ، ومع
______________________________________________________
الشّاهد فيه : قوله «فأستريحا» حيث نصب الفعل المضارع ، الذي هو أستريح ، بعد فاء السببية ، مع أنها ليست مسبوقة بطلب أو نفي ، وذلك ضرورة من الضرورات التي لا تقع إلا في الشعر على سبيل الندرة.
وقد زعم بعض العلماء أن قوله «أستريحا» فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا لأجل الوقف ، وقد ذكر المؤلف هذا التخريج وأنكره وذكر علة إنكاره ، فتدبر ذلك والله يرشدك.
وذكر الأعلم أنه يروى «لأستريحا» بلام التعليل ، ولا ضرورة فيه حينئذ.
__________________
(١) قد جمع بعضهم هذه الثمانية في بيت من الشعر ، فقال :
مر ، وادع ، وانه ، وسل ، واعرض ، لحضهم |
|
تمن ، وارج ، كذاك النفي ، قد كملا |