استئنافه يقدر مبنيّا على مبتدأ محذوف ؛ فيجب الرفع أيضا ؛ لخلوّ الفعل عن الناصب والجازم ؛ فتقول : «ما تأتيني فأكرمك» بمعنى فأنا أكرمك لكونك لم تأتني ، وذلك إذا كنت كارها لإتيانه ، ويوضّح هذا أنك تقول : «ما زيد قاسيا فيعطف على عبده» أي : فهو لانتفاء القسوة عنه يعطف على عبده.
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله واضح ؛ لأن الوجه الأول شمل النفي فيه ما قبل الفاء وما بعدها ، وهذا الوجه انصبّ النفي فيه إلى ما قبل الفاء خاصة دون ما بعدها ، وذلك لأنك لم تجعل الفاء لعطف الفعل الذي بعدها على المنفي الذي قبله فيكون شريكه في النفي ، وإنما أخلصتها للسببية.
ويذكر النحويون هذين الوجهين في قولك «ما تأتينا فتحدثنا» وهذا سهو ؛ إذ يستحيل أن ينتفي الإتيان ويوجد الحديث ، والصواب ما مثلت لك به.
الثالث : أن تقدر الفاء عاطفة لعطف مصدر (١) الفعل الذي بعدها على المصدر المؤول مما قبلها ، وتقدر النفي منصبّا على المعطوف دون المعطوف عليه ؛ فيجب حينئذ النصب بأن مضمرة وجوبا ، والتقدير : ما يكون منك إتيان فإكرام مني ، أي : ما يكون منك إتيان فيعقبه مني إكرام ، بل يكون منك إتيان ولا يكون مني إكرام.
الرابع : أن تقدر أيضا الفاء لعطف مصدر الفعل الذي بعدها على المصدر المؤول مما قبلها ، ولكن تقدر النفي منصبّا على المعطوف عليه ، فينتفي المعطوف لأنه مسبّب عنه ، وقد انتفى ، ويكون معنى الكلام : ما يكون منك إتيان فكيف يكون مني إكرام؟
وهذان الوجهان سائغان في «ما تأتينا فتحدثنا» إذ يصح أن يقال : ما تأتينا محدّثا بل تأتينا غير محدث ، وأن يقال : ما تأتينا فكيف تحدثنا؟
وتلخص أن لنا في الرفع وجهين ، وفي النصب وجهين.
فإن قلت : هل يجوز أن يقرأ : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات ، ٣٦] بالنصب على أحد الوجهين المذكورين للنصب؟
__________________
(١) في هذه العبارة نوع قلق ، ولو قال : «عاطفة لمصدر الفعل الذي بعدها» كما قال في الوجه الرابع لكان ذلك خيرا مما قاله هنا.