القياس الخفض على الجوار في عطف البيان ؛ لأنه كالنعت والتوكيد في مجاورة المتبوع ، وينبغي امتناعه في البدل ؛ لأنه في التقدير من جملة أخرى ؛ فهو محجوز تقديرا ، ورأى هؤلاء أن الخفض في الآية إنما هو بالعطف على لفظ الرؤوس ، فقيل : الأرجل مغسولة لا ممسوحة ، فأجابوا على ذلك بوجهين ؛ أحدهما : أن المسح هنا الغسل ، قال أبو علي : حكى لنا من لا يتّهم أن أبا زيد قال : المسح خفيف الغسل ، يقال : مسحت للصلاة ، وخصّت الرجلان من بين سائر المغسولات باسم المسح ليقتصد في صب الماء عليهما ؛ إذ كانتا مظنّة للإسراف ، والثاني : أن المراد هنا المسح على الخفين ، وجعل ذلك مسحا للرجل مجازا ، وإنما حقيقته أنه مسح للخف الذي على الرجل ، والسّنّة بيّنت ذلك.
ويرجح ذلك القول ثلاثة أمور : أحدها : أن الحمل على المجاورة حمل على شاذ ؛ فينبغي صون القرآن عنه ، الثاني أنه إذا حمل على ذلك كان العطف في الحقيقة على الوجوه والأيدي ؛ فيلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة أجنبية وهو (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وإذا حمل على العطف على الرؤوس لم يلزم الفصل بالأجنبي ، والأصل أن لا يفصل بين المتعاطفين بمفرد فضلا عن الجملة ، الثالث : أن العطف على هذا التقدير حمل على المجاور ، وعلى التقدير الأول حمل على غير المجاور ، والحمل على المجاور أولى.
فإن قلت : يدل للتوجيه الأول قراءة النصب.
قلت : لا نسلم أنها عطف على الوجوه والأيدي ، بل على الجار والمجرور ، كما قال :
١٦٧ ـ * يسلكن في نجد وغورا غائرا*
______________________________________________________
١٦٧ ـ هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو من كلام العجاج بن رؤبة ، الراجز ، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٩) ورواه «يذهبن في نجد ...» وبعد هذا قوله :
* فواسقا عن قصدها جوائرا*
اللّغة : «نجد» هو ما ارتفع من الأرض ، «غورا» هو المنخفض منها ، «فواسق» جمع فاسقة ،