بمعنى إصابتكم ، ويسمى اسم مصدر مجازا ، ورجلا : مفعول بالمصدر ، وأهدى السّلام : جملة في موضع نصب على أنها صفة لرجلا ، وتحية : مصدر لأهدى السّلام ، من باب «قعدت جلوسا» وظلم : خبر إنّ ، ولهذا البيت حكاية شهيرة عند أهل الأدب (١).
والثاني : ما لا يعمل اتفاقا ، وهو ما كان من أسماء الأحداث علما ك «سبحان» علما للتسبيح ، و «فجار» و «حماد» علمين للفجرة والمحمدة.
والثالث : ما اختلف في إعماله ، وهو ما كان اسما لغير الحدث ، فاستعمل له ، ك «الكلام» فإنه في الأصل اسم للملفوظ به من الكلمات ، ثم نقل إلى معنى التكليم ، و «الثّواب» فانه في الأصل اسم لما يثاب به العمّال ، ثم نقل إلى معنى الإثابة ، وهذا النوع ذهب الكوفيون والبغداديون إلى جواز إعماله ، تمسكا بما ورد من نحو قوله :
__________________
(١) روى أهل الأدب أن أبا عثمان المازني كان فقيرا مملقا ذا حاجة ، وأنه جاءه ذات يوم رجل ذمي ، وبذل له مائة دينار على أن يقرئه كتاب سيبويه في النحو ، فامتنع أبو عثمان عن قبول ذلك ، وكان تلميذه الإمام الكبير أبو العباس المبرد يعلم خصاصته وفقره واحتياجه إلى المال فعاتبه على امتناعه ، فأجابه بأنه إنما امتنع لأن كتاب سيبويه يشتمل على ثلاثمائة وكذا وكذا آية من القرآن الكريم ، وأنه لا يجمل به أن يمكن الذمي من قراءة هذه الآيات ، ثم اتفق أن غنت جارية بحضرة أمير المؤمنين الواثق العباسي بهذا البيت ، فنصبت «رجلا» وكان بالحضرة أبو يعقوب بن السكيت ـ ويقال : بل كان بالمجلس اليزيدي أحد أبناء أبي محمد مؤدب المأمون ـ فأنكر على الجارية نصب «رجلا» وقال : إنما هو بالرفع ، وأصرت الجارية على النصب ، وقالت : إنني هكذا تلقيته على شيخي أبي عثمان المازني ، فأمر الواثق بإشخاص أبي عثمان إليه من البصرة ، فلما حضر أقر الجارية على ما قالت ، وفسره بأن المصاب مصدر بمعنى الإصابة ، ورجلا : مفعول ، فاستحسن ذلك الواثق ، وأمر له بألف دينار ، فلما رجع إلى البصرة قال لتلميذه المبرد : تركنا مائة لله فعوضنا الله منها ألفا.
قال أبو رجاء : واعلم أولا أن هذه الحادثة تروى باختلاف يسير في كثير من كتب الأدب ، منها درة الغواص للحريري ، ومنها ثمرات الأوراق لابن حجة الحموي (ص ٢) ومنها حلبة الكميت للنواجي (٤٩ بولاق) ومنها أدب النديم لكشاجم ، ومنها وفيات الأعيان لابن خلكان في ترجمة أبي عثمان المازني (الترجمة ١١٥ بتحقيقنا).
واعلم ثانيا أن وجه ما ذكره اليزيدي أو ابن السكيت من رفع رجل يتأتى على أن يكون «مصاب» اسم مفعول فعله أصاب ، وهو اسم إن ، وضمير المخاطبين مضاف إليه من إضافة الوصف إلى مرفوعه ، ورجل بالرفع خبر إن ، وجملة «أهدى السّلام تحية» في محل رفع صفة لرجل ، وظالم في آخر البيت خبر مبتدأ محذوف ، وتقدير الكلام : إن الذي أصبتموه بتجنيكم عليه رجل موصوف بأنه أهدى إليكم السّلام ، وهذا ظلم ، ولا شك أن فيه تكلفا ، فضلا عن أن يكون متعينا كما كان يذهب إليه اليزيدي على ما يفهم من حاله في تشبثه وتخطئته الجارية المغنية.