وإبدال الظاهر من المضمر فيه تفصيل ، وذلك أن الظاهر إن كان بدلا من ضمير غيبة جاز مطلقا ، كقوله تعالى : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف ، ٦٣] ف «أن أذكره» بدل من الهاء في «أنسانيه» بدل اشتمال ، ومثله (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم ، ٨٠] ، وقول الشاعر :
١١٧ ـ على حالة لو أنّ في القوم حاتما |
|
على جوده لضنّ بالماء حاتم (١) |
إلا أن هذا بدل كلّ من كلّ.
وإن كان ضمير حاضر ، فإن كان البدل بعضا أو اشتمالا جاز ، نحو : «أعجبتني وجهك» و «أعجبتني علمك» وقوله :
٢٣٢ ـ أوعدني بالسّجن والأداهم |
|
رجلي فرجلي شثنة المناسم |
______________________________________________________
٢٣٢ ـ هذا بيت من الرجز ، أو بيتان من مشطوره ، وقد نسب العيني تبعا لياقوت هذا الشاهد إلى العديل بن الفرخ ، وكان من حديثه أنه هجا الحجاج بن يوسف الثقفي ، فلما خاف أن تناله يده هرب إلى بلاد الروم ، واستنجد بالقيصر ، فحماه ، فلما علم الحجاج بأمره بعث إلى القيصر يتهدده ؛ فأرسله إليه ، والبيت من شواهد ابن عقيل (رقم ٢٩٩).
اللّغة : «أوعدني» تهددني بشر ، «السجن» الحبس ، «الأداهم» جمع أدهم وهو القيد ، «شثنة» غليظة ، «المناسم» جمع منسم ـ بزنة مجلس ـ وأصله طرف خف البعير ، فاستعمله في الإنسان ، وإنما حسن ذلك أنه أراد وصف رجليه بالقوة والجلادة والصبر على احتمال القيد.
الإعراب : «أوعدني» أوعد : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به ، «بالسجن» جار ومجرور متعلق بأوعد ، «والأداهم» الواو عاطفة ، والأداهم : معطوف
__________________
(١) قد سبق شرح هذا الشاهد شرحا وافيا لا تحتاج معه إلى إعادة شيء من القول عليه في هذا الموضع ، فانظره إن شئت في (ص ٢٧٠) من هذا الكتاب ، ولكنا نبين لك ههنا أن استشهاد المؤلف بهذا البيت للموضع الذي نحن فيه الآن لا يتم إلا على هذه الرواية التي ذكرها مع جر «حاتم» في آخر البيت ؛ لأن القصيدة كلها مجرورة القوافي كما قدمنا بيانه ، ويكون قوله «حاتم» بالجر بدلا من الضمير الذي أضيف إليه الجود في قوله «على جوده» ونحن في الموضع الذي أحلناك عليه قد ذكرنا هذا الوجه على وجه يشعر بضعفه ، وجعلنا «حاتم» فاعلا لضن ، والتزمنا أن يكون في البيت إقواء ، ثم ذكرنا لك الرواية الصحيحة في هذا البيت بالرجوع بك إلى ديوان الشاعر ورواية الأثبات من العلماء ، وهذه الرواية الصحيحة تخرج البيت عن الاستشهاد به لما هنا ، وتنفي عنه عيب الإقواء أيضا ، وانظر مع ذلك كله كامل المبرد (ج ١ ص ١٣٨).