وفي هذا الموضع قراءات :
إحداها : هذه ، وهي تشديد النون من «إنّ» و «هذين» بالياء ، وهي قراءة أبي عمرو ، وهي جارية على سنن العربية ؛ فإن «إنّ» تنصب الاسم وترفع الخبر ، و «هذين» اسمها ؛ فيجب نصبه بالياء لأنه مثنى ، و «ساحران» خبرها فرفعه بالألف.
والثانية : «إن» بالتخفيف «هذان» بالألف ، وتوجيهها أن الأصل «إنّ هذين» فخففت (إن) بحذف النون الثانية ، وأهملت كما هو الأكثر فيها إذا خفّفت ، وارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر فجيء بالألف ، ونظيره أنك تقول : إنّ زيدا قائم ؛ فإذا خفّفت فالأفصح أن تقول : إن زيد لقائم على الابتداء والخبر ؛ قال الله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(١).
والثالثة : «إنّ» بالتشديد «هذان» بالألف ، وهي مشكلة ؛ لأن «إنّ» المشدّدة يجب إعمالها ؛ فكان الظاهر بالإتيان بالياء كما في القراءة الأولى.
وقد أجيب عليها بأوجه :
أحدها : أن لغة بلحارث بن كعب ، وخثعم ، وزبيد وكنانة وآخرين استعمال المثنى بالألف دائما ، تقول : جاء الزّيدان ، ورأيت الزّيدان ، ومررت بالزّيدان ، قال :
١٤ ـ * تزوّد منّا بين أذناه طعنة*
وقال الآخر :
______________________________________________________
١٤ ـ هذا صدر بيت من الطويل ، وعجزه قوله :
* دعته إلى هابي التّراب عقيم*
__________________
(١) سورة الطارق ، ٤ ، والاستشهاد بالآية الكريمة على قراءة من خفف الميم من (لما) وقد قرأ بذلك نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وخلف ويعقوب ، وإعرابها «إن» مخففة من الثقيلة «كل» مبتدأ ، وهو مضاف و «نفس» مضاف إليه ، «لما» اللام لام الابتداء ، وما زائدة «عليها» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، «حافظ» مبتدأ مؤخر ، وجملة المبتدأ المؤخر وخبره المقدم في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو «كل» ، والجملة من كل الواقع مبتدأ وخبره في محل رفع خبر إن المخففة.