وزعم أن بناء المثنى إذا كان مفرده مبنيّا أفصح من إعرابه ، قال : وقد تفطّن لذلك غير واحد من حذّاق النّحاة.
ثم اعترض على نفسه بأمرين ؛ أحدهما : أن السبعة أجمعوا على البناء في قوله تعالى : (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) [القصص ، ٢٧] مع أن «هاتين» تثنية «هاتا» وهو مبني ، والثاني : أن «الذي» مبني ، وقد قالوا في تثنيته الّذين في الجر والنصب ، وهي لغة القرآن كقوله تعالى : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) [فصلت ، ٢٩].
وأجاب عن الأول بأنه إنما جاء «هاتين» بالياء على لغة الإعراب لمناسبة «ابنتيّ» قال : فالإعراب هنا أفصح من البناء ؛ لأجل المناسبة ، كما أن البناء في (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [البقرة ، ٢٤٨] أفصح من الإعراب ؛ لمناسبة الألف في «هذان» للألف في ساحران.
وأجاب عن الثاني بالفرق بين «اللذان» و «هذان» بأن «اللذان» تثنية اسم ثلاثي ؛ فهو شبيه ب «الزيدان» ، و «هذان» تثنية اسم على حرفين ؛ فهو عريق في البناء لشبهه بالحروف.
قال رحمهالله تعالى : وقد زعم قوم أن قراءة من قرأ (إن هذان) لحن ، وأن عثمان رضياللهعنه قال : إن في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ، وهذا خبر باطل لا يصح من وجوه :
أحدها : أن الصحابة رضياللهعنهم كانوا يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات ، فكيف يقرّون اللحن في القرآن ، مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته؟
والثاني : أن العرب كانت تستقبح اللحن غاية الاستقباح في الكلام ، فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف؟
والثالث : أن الاحتجاج بأن العرب ستقيمه بألسنتها غير مستقيم ؛ لأن المصحف الكريم يقف عليه العربيّ والعجميّ!
الرابع : أنه قد ثبت في الصحيح أن زيد بن ثابت أراد أن يكتب (التَّابُوتُ) بالهاء على لغة الأنصار فمنعوه من ذلك ، ورفعوه إلى عثمان ـ رضياللهعنهم ـ وأمرهم أن يكتبوه بالتاء على لغة قريش ، ولما بلغ عمر رضياللهعنه أن ابن مسعود رضياللهعنه