ومن شواهد سنين قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) [الكهف ، ٢٥] تقرأ (مائة) على وجهين : منونة ، وغير منونة ؛ فمن نوّنها ف «سنين» بدل من ثلاث ؛ فهي منصوبة ، والياء علامة النصب ، قيل : أو مجرورة بدل من مائة ، والياء علامة الجر ، وفيه نظر ؛ لأن البدل يعتبر لصحته إحلاله محلّ الأول مع بقاء المعنى ، ولو قيل ثلاث سنين لاختلّ المعنى كما ترى ، ومن لم ينونها فسنين مضاف إليه ، فهي مخفوضة ، والياء علامة الخفض.
ولم تقع في القرآن مرفوعة ، ومثالها قول القائل :
١٧ ـ ثمّ انقضت تلك السّنون وأهلها |
|
فكأنّها وكأنّهم أحلام |
______________________________________________________
الشّاهد فيه : قوله «الأرضون» فإنه جمع أرضا جمع مذكر سالما شذوذا ؛ فإن جمع المذكر السالم إنما يكون للعقلاء المذكرين ، وأرض ليس من العقلاء ، فوق أنه من المؤنثات.
والمعروف أنهم إذا جمعوا أرضا هذا الجمع يحركون راءه إيذانا بهذه الحركة التي تخالف ما في المفرد بأنهم خالفوا قواعدهم في هذا اللفظ ، فجمعوا على هذا الجمع ما لم يكونوا ليجمعوه عليه ، ولكن هذا الشاعر قد جاء به ساكن الراء ، فتكون في هذه الكلمة مخالفة للقياس بما ذكرناه أولا ، ومخالفة للاستعمال بسبب تسكين الراء ، فافهم ذلك.
١٧ ـ هذا بيت من الكامل من قصيدة لأبي تمام : حبيب بن أوس الطائي ، المتوفى في سنة ٣٢١ من الهجرة ، وهو من الشعراء الذين لا يحتج بشعرهم على مفردات اللغة ولا على قواعد النحو والصرف ، لأنه كان في الزمن الذي اضطربت فيه ألسنة العرب ، والمؤلف جاء بكلامه مثالا ولم يأت به شاهدا ، وقبل البيت الذي أنشده المؤلف قوله :
أعوام وصل كان ينسي طولها |
|
ذكر النّوى ، فكأنّها أيّام |
ثمّ انبرت أيّام هجر أردفت |
|
نحوي أسى ، فكأنّها أعوام |
اللّغة : «أحلام» جمع حلم ـ بضم الحاء المهملة واللام مضمومة أو ساكنة ـ وهو ما يراه النائم في نومه ، ووزانه قفل وأقفال ، أو عنق وأعناق.
المعنى : يصف أيام سروره بلقاء أحبائه بأنها قصيرة ، ويشبهها بعد أن مضت بحلم يراه النائم في نومه ، فكأنه خيال لا حقيقة له.