وقد ارتكز هذا المفسّر الجليل على الآيات الكريمة التي تتحدث عن الأمر المتعلق بوجه بالسماء ، فقد قال الله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) [السجدة: ٥]. وقال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) [الطلاق : ١٢] ، وقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) [المؤمنون : ١٧](١).
وقد نلاحظ على ذلك أن هذا المعنى ليس بهذا الوضوح ، فقد يمكن أن يكون المراد من تنزل الأمر من السماء كناية عن انطلاقه من مراكز العلوّ التي تمثل الهيمنة المطلقة ، مع ملاحظة أن الله ليس في مكان ، ليتصور صدور الأمر منه من منطقة السماء بمعناها المادي ..
وقد نستفيد من مجموع الآيات التي ذكر فيها الأمر أن المقصود فيها الإرادة المتعلقة بوجود الأشياء وتدبيرها ، والتي تتنوع في مضمونها ومصداقها بين مورد وآخر ، فهناك إرادة تتعلق بالسماء وهناك إرادة تتعلق بالأرض ، وإذا كانت الآية متعلقة بخلق السماوات ، فقد يكون ظهورها في الأمر المتعلق بتدبيرها وتنظيم وجودها ، أكثر من ظهورها في الأمر النازل منها المتعلق بتدبير الأرض ، مما تحمله الملائكة منه ، والله العالم.
(وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) وهي الكواكب المتناثرة في الفضاء المطلّة على الأرض ، وتبدو للناظر في إشراقها بحيث تبدو كالقناديل في الجوّ المظلم المدلهمّ ، كما يمنح الأفق هذا المنظر المتشابك في جانب ، المتفرق المتناثر في جانب آخر ، زينه ساحر بما يؤلّفه من صور جميلة مثيرة للدهشة والإعجاب.
(وَحِفْظاً) من الشياطين التي تسترق السمع فيتبعها من الكواكب شهاب مبين ، (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) في تدبيره وتقديره للنظام الكونيّ الذي أوجده بقدرته ، وأعطاه أسراره التي تحفظ امتداده وتضبط حركته في ما أودعه فيه من يعلم حاجته إليها.
* * *
__________________
(١) انظر تفسير الميزان ، ج : ١٧ ، ص : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.