الأمرين (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) لا يعرفون لغته ، أو لا يتبيّنون مقاصده ، أو لا يستقيم نظمه ، (لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) وأوضحت وبيّنت ، لتتميز الأفكار بشكل واضح بلغة عربية بليغة تتميز بوضوح المعاني لنفهمه جيّدا ، ولنعرف كيف نواجهه ، بالرفض أو القبول .. ثم يقارنوا بين شخصية الأمة العربية وبين لغة الكتاب : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) أي كيف يجتمع الكتاب الأعجمي مع الأمة العربية التي أرسل إليها الكتاب أو مع الشعب العربي ، فهما أمران لا يلتقيان ولا يتناسبان.
(قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) فهو الذي يهديهم إلى الحق ، ويعرّفهم عظمة الله ، ويدلّهم على الطريق المستقيم ، وهو الذي يشفي الصدور من أمراض الشك والريب والفتنة ، بما يفتحه من آفاق المعرفة ، وأسرار اليقين (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) فهم لا يستمعون إليه إلّا من خلال الضجيج الذي لا يفهمون من خلاله شيئا ، لأنهم لا يتبينون كلماته ومعانيه ، وذلك على سبيل الكناية (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) لأنهم لا ينطلقون من مواقع النور في مضمونه وفي آفاقه. (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) فلا يسمعون الصوت ، ولا يرون الشخص ، وذلك كناية عن عدم قبولهم العظة وعدم فهمهم الحجة.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) كما آتيناك القرآن (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) كما اختلف قومك في نظرتهم إليك وإلى القرآن (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في تأجيل العقاب ، وإمهالهم إلى أجل معين (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) فيما يستحقونه من الحكم العادل ، بالعقاب العاجل (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي من كتاب موسى ، فلا تتألم ـ يا محمد ـ من إنكار هؤلاء ، لأن الرسل من قبلك لاقوا الموقف الذي تلاقيه الآن.
* * *