ويمكن أن يحدس من ذلك أن بين هذه الحروف المقطعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطا خاصا ، ويؤيّد ذلك ما نجد أن سورة الأعراف المصدرة ب «المص» في مضمونها ، كأنها جامعة بين مضامين الميمات و «ص» ، وكذا سورة الرعد المصدرة ب «المر» في مضمونها كأنها جامعة بين مضامين الميمات والراءات.
ويستفاد من ذلك أن هذه الحروف رموز بين الله سبحانه وبين رسوله خفية عنا لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطا خاصا.
ولعل المتدبر ، لو تدبر في مشتركات هذه الحروف وقايس مضامين السور التي وقعت فيها بعضها إلى بعض ، تبين له الأمر أزيد من ذلك.
ولعل هنا ما روته أهل السنة عن علي عليهالسلام ـ على ما في المجمع ـ أن لكل كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» (١).
ولعلنا نلاحظ أن هذا الوجه ـ مع طرافته ـ لم يستطع أن يعطي معنى لهذه الحروف ، يدخل في التصور التفصيلي للذهن ، كما أننا قد نجد مضامين السور المشتملة على بعض هذه الحروف المشتركة في سور أخرى لم تبدأ بهذه الحروف ، أمّا الحديث عن الرمز الذي يختفي في داخل هذه الحروف ، في ما يمثله من معنى بين الله وبين رسوله ، مما لا تصل أفهامنا إليه فقد لا نستطيع التسليم به ، لأن القرآن ليس رسالة خاصة من الله إلى رسوله ، ليشتمل على الرموز الخفية التي يفهمها المرسل إليه دون الناس ، كما يحدث في الرسائل الخاصة ، بل هو كتاب هدى للناس كافة ، فلا بد من أن يكون الرمز الذي يشتمل عليه ، مما يتصل مضمونه بجميع الناس. والله العالم.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ٨ ـ ٩.