التفاصيل ، بل تحرك من خلال كونه دليلا على الله وعلى الرابطة التي تربط عباده به ، ولعل الفقرة التالية تؤكد ذلك ، وهي قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) فإن الحديث عن تسبيح الملائكة بحمد ربهم وتنزيههم إياه عما لا يليق بجلاله وكماله من صفات ، يوحي بأن اتّجاه الحديث هو الله في مواقع عظمته ، فكأن السموات تسبح الله وتختزن الإحساس بعظمته في تسبيحها حتى تكاد تنفطر من خلال ذلك .. كما أن الملائكة يمارسون هذا التسبيح ، ويطلّون على الأرض ليشاهدوا المخلوقات الحية العاقلة التي قد تخطئ في تصورها لله وتنحرف في طاعتها له ، ولكنها تظل منفتحة عليه في عمق المعرفة ، وروحية الإيمان فيستغفرون لها ويطلبون من الله أن يغفر لها خطاياها ، ويهيئ لها سبيل الهداية الذي يجعلها سائرة في خط طاعته ورضاه.
وقد حاول صاحب الميزان أن يفسر سؤالهم الله الغفران لأهل الأرض ، أن يحقق لهم سبب حصول المغفرة ، «وهو سلوك سبيل العبودية بالاهتداء بهداية الله سبحانه ، فسؤالهم المغفرة لهم مرجعه إلى سؤال أن يشرّع لهم دينا يغفر لمن تديّن به منهم ، فالمعنى : والملائكة يسألون الله سبحانه أن يشرّع لمن في الأرض من طريق الوحي دينا يدينون به فيغفر لهم بذلك» (١).
ويستشهد ـ على هذا القول ـ بتعلق الاستغفار بمن في الأرض بقوله : «إذ لا معنى لطلب المغفرة منهم لمطلق أهل الأرض حتى لمن قال : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦] وقد حكى الله تعالى عنهم : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧] الآية» (٢) :
ونلاحظ على ذلك ، أن الظاهر من الاستغفار معنى يتصل بالواقع العملي
__________________
(١) (م. س) ، ج : ١٨ ، ص : ١١.
(٢) (م. ن) ، ج : ١٨ ، ص : ١١.