الذي يؤدي بهم إلى النار .. وبذلك كان قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) تأكيدا لهذه النقطة ، وبيانا لقدرة الله على أن يخلقهم مؤمنين ليكونوا أمة واحدة في خط الإيمان ، بحيث تلتقي إرادته التكوينية في إيمانهم ، بإرادته التشريعية في ذلك ولكن الله لم يشأ ذلك بل ترك لهم حرية الاختيار .. وأمّا اختصاص الفرقة بالمؤمنين فمن خلال أن الله لا يمكن أن يجعل الكفر حالة تكوينية في الكافر ، لأن ذلك لا ينسجم مع حكمته التي تقتضي أن يكون الخلق على أساس الحق ، كما لا ينسجم مع عدله إذا كان يريد أن يدخلهم النار.
وأمّا ما ذكره من «أنه تعالى ليس بملزم بإدخال السعداء في الجنة والأشقياء في النار ، فلو لم يشأ لم يفعل لكنه شاء أن يفرق بين الفريقين» فنلاحظ عليه ، أن هذه المسألة ليست مطروحة كمشكلة فكرية ، فلم يقل أحد بأن الله ملزم بذلك بل المطروح في مسألة الإيمان والكفر هو جانب الجبر والاختيار ، الذي أخذ مكانا واسعا في القرآن باعتباره المظهر الحي للعدالة الإلهية في مسألة تقديره للمصير ، والله العالم.
وقد نقل في الميزان عن بعضهم : «إن الأنسب للسياق هو اتحادهم في الكفر بأن يراد جعلهم أمّة واحدة كافرة كما في قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) [البقرة : ٢١٣] فالمعنى : ولو شاء الله لجعلهم أمّة واحدة متفقة على الكفر بأن لا يرسل إليهم رسولا ينذرهم ، فيبقوا على ما هم عليه من الكفر» (١).
ونلاحظ على ذلك أن هذا مخالف للسياق على ضوء ما ذكرناه ، مع أنه لا يناسب الجعل الذي يعنى الإيجاد الذي يتصل بالجانب الإيجابي في تكوين الكفر في وجودهم ، لا بالجانب السلبي في عدم تدخله بإيجاد الأسباب التي قد تؤدي إلى إيمانهم ، والله العالم.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ٢١.