قد أنزله كتابا عربيا بلغتكم لتفهموه وتعقلوه ، كما يفهم أهل كل لغة الكلام النازل عليهم بهذه اللغة باعتبار وضوح اللغة الذي يمنح الإنسان وضوحا في المطلب ، والله العالم.
(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) الظاهر أن المراد بأمّ الكتاب ـ في ما يذكره المفسرون ـ اللوح المحفوظ ، وأن علوّه في علوّ المنزلة التي يمكن أن يصل إليها الإنسان من خلاله ، أو في علوّ الفكر الذي يرتفع بالتصور الإنساني لحقائق العقيدة والحياة إلى المرتبة العليا ، أو في علوّ البلاغة ، كما يذكره البعض.
وقد اعتبر صاحب الميزان ، العلو بمعنى «أنه رفيع القدر والمنزلة من أن تناله العقول» (١) ولكن الظاهر أن الحديث عنه ، بلحاظ جانب السموّ في معناه وفي أسلوبه للدلالة على أن الله يريد للإنسان العلو من خلاله ، لأنه لا معنى لأن ينزل الله كتابا لا يتعقل الناس حقيقته ومعناه. «بحيث يمكن أن تكون النسبة بين ما عندنا وما في أمّ الكتاب نسبة المثل والممثّل ، فالمثل هو الممثّل بعينه لكن الممثّل له لا يفقه إلا المثل» (٢) كما يقول صاحب الميزان ، إذ ليس هنالك حكمة من ذلك بالنسبة إلى طبيعة الكتاب .. وربما كان معنى (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) هو وصف القرآن هناك بهاتين الصفتين ، أمّا الحكمة فيه ، فاشتماله على المضمون الذي يحقق للناس التوازن في حياتهم ويساعدهم على وضع الأشياء في مواضعها ، فيتصورون القضايا في موازينها ، ليملكوا بذلك البصيرة الكاملة في الأمور المتعلقة بقضايا الفكر والحياة.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٨ ، ص ٨٦.
(٢) (م. ن) ، ج : ١٨ ، ص : ٨٥.