يُحْيِيكُمْ)ما يعني أن الله يعبر عن الحالة التي تسبق الحياة الدنيا ، بالموت ، مع ملاحظة أنّ القرآن لم يذكر شيئا واضحا عن حياة البرزخ وموته إلا في قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) الأمر الذي يجعل الذهن متطلعا إلى هذا العالم في حياته وموته من خلال الأسلوب القرآني ..
وقد ذكر صاحب الكشاف الذي اختار الوجه الذي استقربناه ، تعليقا على ذلك : «فإن قلت : كيف صح أن يسمّي خلقهم أمواتا إماتة؟ قلت : كما صح أن تقول : سبحان من صغّر جسم البعوضة وكبّر جسم الفيل ، وقولك للحفّار : ضيّق فم الركية ووسّع أسفلها ، وليس ثمّ نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر ، ولا من ضيق إلى سعة ، ولا من سعة إلى ضيق. وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات ، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائزان معا على المصنوع الواحد ، من غير ترجح لأحدهما ، وكذلك الضيق والسعة ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه» (١).
أما ما ذكره صاحب الميزان شاهدا على تفسيره ، بأن المراد ذكر الإحياء الذي هو سبب الإيمان بالمعاد ، وهو الإحياء بالبرزخ ثم في القيامة دون الحياة الدنيا التي لم تكن سببا في الإيمان بالمعاد لأنهم كانوا مرتابين ، وهم في داخلها ؛ فقد نلاحظ عليه ، أن هذا التحوّل من الحياة الدنيا إلى الآخرة ، بالموت ، ربما جعلهم يعيدون التفكير في أمر الحياة والموت بالطريقة التي تثبت قدرة الله على إرجاع الإنسان إلى الحياة بعد الموت ، كما كان قادرا على إحيائه بعد الموت الذي كان غافلا عنه في الدنيا لاستغراقه في المألوف ، مما جعل الآيات تتكرر تذكيرا للإنسان بأن الله الذي بدأ الخلق ، قادر على أن
__________________
(١) الزمخشري ، أبو القاسم ، محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، ج : ٣ ، ص : ٤١٨.