والجانب العقلي الذي يقوّم المضمون العقيدي الذي يلتزمونه ، فالفكر لا يرتبط بالذات وأحاسيسها ، بل بالحقيقة الموضوعية التي يصل إليها العقل عبر إقامة معادلة عقلية تتحرك في أجواء الفكر وفي ساحات الحوار ، للوصول إلى النتائج التي تكشف للناس إحدى السبيلين ، وأقوى الفكرين .. وهذا ما عبرت عنه الآية التالية : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) مما أقدّمه إليكم من وحي الله أو في ما أثيره من الفكر الذي يهز قناعاتكم ليثبت لكم أنه أهدى من فكر الماضي ، فهل مسألة التقليد لديكم مسألة قناعة ، فلا بد للقناعة من إعادة النظر في الفكر الجديد المطروح عليكم لتكتشف ملامح الحقيقة فيه ، أم أن المسألة مسألة تعصب ، والقضية قضية انسجام مع الذات ، في امتداداتها التاريخية ، وفي امتيازاتها الواقعية (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) فهذا هو موقفنا وقرارنا أمام كل طموحاتكم الفكرية والاجتماعية ، ولسنا مستعدين للدخول معكم في حوار.
(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) لأنهم تمردوا على الله من دون أساس ، أو حجّة يملكونها ، ولأنهم لا يسيئون إلى أنفسهم بل يسيئون إلى الحياة كلها عند ما يجعلون هذا النهج الفكري المتخلف حاجزا أمام السائرين في طريق المعرفة ، ليعطّلوا خططهم ، وليسقطوا كل حركة التغيير بذلك.
(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وعرّف قومك ـ يا محمد ـ ذلك ليعيدوا النظر في منطقهم وفي موقفهم الذي يؤكدونه في سلوكهم العملي ضد الرسالة.
* * *