عند ما يتحوّل التاريخ إلى حالة فكرية أو روحية أو عملية مقدّسة لا تسمح بأيّ نقاش حول المضمون الفكري أو الروحي أو العملي الذي تلتزمه .. وقد أكّده المترفون الذين يقفون أمام عملية التغيير الاجتماعي أو الفكري أو السياسي التي قد تلغي امتيازاتهم نتيجة ما تحدثه الأفكار الجديدة من إعادة نظر في كثير من المفاهيم المألوفة أو المتوارثة بعد عرضها على ميزان الفكر والواقع ، المراد تطويره أو تغييره ، لينطلق الجيل الجديد بعقلية جديدة ونهج جديد.
وعلى ضوء ذلك كان الجمود هو الطابع الذي يعمل المترفون الطغاة على إحكام سيطرته على الفكر الإنساني ، بإعطاء فكر الآباء والتاريخ قداسة ، تسلط سيفا على مطلب الحرية الفكرية في كل القضايا التي يمكن أن يدور فيها الخلاف ، في ساحات الحوار ..
(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) يطلق الصرخة الفكرية والروحية التي تهز جمود الإنسان في فكره ومنهجه ، وخطّه العبادي ، وحركته الاجتماعية والسياسية ، وتوجّه الناس إلى المستقبل المشرق الواعي المنفتح على الله ، ليناقشوا كل مرتكزاتهم وموروثاتهم ، على ضوء رسالات الأنبياء التي تريد لهم أن يؤسسوا فكر التوحيد في العقيدة والعبادة ، انطلاقا من النتائج السلبية التي تتأتى عن الفكر المضاد.
(إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) الذين يملكون قرار الضغط على الحريات ليحددوا للناس خط السير الذي يتحركون فيه ، (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) فهم القدوة التي لن ننفصل عنها في كل ما نريد أن نأخذ أو ندع ، لأن ذلك يحقق لنا الثبات في مواقعنا العائلية ، وقيمنا التاريخية. وهو أسلوب انفعاليّ عاطفيّ هدفه خلق أجواء الإثارة وتحريكها وهو منطق يعتمده المترفون في مواجهة الفكر لتأكيد التقليد ، والمحافظة على مواقعهم في الشهوات واللذات والامتيازات غير العادلة .. أمّا منطق الرسالة التي يحملها الأنبياء فهو منطق يوجه الفكر إلى الفصل بين الجانب العاطفي الذي يربط الأبناء بآبائهم