أجل أن يركز قواعده على أساس خط الأيمان.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) من هذه الأصنام التي لا تملك أيّ سرّ من أسرار الألوهية ، في ما تحاولون أن تتخيلوه لها من ذلك ، لتقنعوا أنفسكم بذلك ، أو لتقنعوا غيركم به ، فقد صنعتموها بأيديكم ، أو صنعها آباؤكم من قبلكم ، فكيف جاءتها هذه الأسرار؟ وكيف حصلت على هذا الموقع المميز في العبادة؟
وهكذا أعلن إبراهيم أنه ـ بكل فكره وروحه ـ يجسد البراءة من الأصنام بكل معانيها وأبعادها ، فلم يعد موقفه من الأصنام موقفا للذات ، بل هي الذات كلها في الفكر والحركة والشعور ، في ما يوحي به الإخبار عن الذات بالمصدر الذي يتضمن المبدأ كله ، (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) وأوجدني بعد أن كنت عدما ، كما فطر الآخرين ، وأنتم منهم ، لأنني لست بدعا من الناس في ذلك ممّا جعل ارتباط الناس به ، ارتباط المخلوق بالخالق ، لحاجته في كل حركة وجوده وامتداده إليه ، تماما كما كان محتاجا إليه في أصل الوجود ، الأمر الذي يجعل التوحيد ، في عبادته ، أمرا طبيعيا منسجما مع حقيقة الوجود الإنساني .. وتلك هي الحجة على موقفه ، فإن الخالق هو الذي ينبغي للمخلوقين أن يعبدوه.
(فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) ويوجهني إلى الحق في العقيدة والعبادة والسلوك لأن الخلق ليس حالة مجرّدة ، تنتهي بها علاقة الخالق بالمخلوق ، بل هي حقيقة وجودية تبدع الإنسان في وجوده ، وتدبره في كل امتداداته ، لأن رحمة الله هي سرّ الخلق والهداية والامتداد في انفتاح الفكر ، وفي حركة الحياة ، فهو الذي ألهم كل شيء هداه ، في بنية وجوده ، وألهم الإنسان بالإضافة إلى ذلك ، سرّ الهداية في حرية الإرادة في تحريك الفكر والعمل للوصول إلى مواقع الحقيقة في العقيدة والحياة ..
* * *