قلبه عن الحق لتبتعد كل مشاعره وأحاسيسه عنه شعوريا ، ويبتعد بكل أقواله وأفعاله وعلاقاته عن النهج القويم في ما أمر الله به ونهى عنه في خط الاستقامة في الشريعة ، ويقترب به إلى خط الانحراف في مناهج الكافرين والمنافقين والضالين (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) أي مصاحب له داخل حياته وخارجها ، يسيطر عليه في كل أوضاعه العامة والخاصة ، بالوسوسة الداخلية ، أو بالمشورة ، أو بتزيين أعماله السيّئة ليراها حسنة.
وقد تحدث الله في كتابه عن شياطين الإنس والجن الذين يوسوسون للناس ويضلّونهم عن السبيل ، ويحركونهم في اتجاهات الباطل من خلال تأثيراتهم النفسية والعملية ، تبعا للعلاقات التي تشدهم إليهم ، فقد يكون الشيطان صديقا أو رفيقا أو أبا أو أخا أو حاكما أو نحو ذلك ، وقد يكون عنصرا خفيّا في الداخل بحيث يحرّك نوازع الإنسان وغرائزه ونقاط الضعف في شخصيته.
وليس المراد بأن الله يقيّض لمن يغفل عن ذكره ، مثل هذا الشيطان ، أن القضية تحصل بشكل مباشر ، بل المراد أن الغفلة عن ذكر الله ، تفتح الأبواب للشيطان ليدخل حياة الإنسان الذي لا يملك ـ نتيجة الغفلة ـ قدرة الانضباط في خط التوازن والاستقامة ، مما يجعله فريسة سهلة للشيطان (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) في ما يثيرونه في تفكيرهم من شبهات ، أو عقائد باطلة ، وفي ما يحركونه في حياتهم من مشاريع منحرفة ، فيصورون لهم أنها تمثل الحق الذي يرغب الإنسان ـ بطبيعته ـ في الارتباط به فلا يبقى لديهم أيّ قلق في الموضوع ، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) لأن العناوين التي يضعونها للانحراف قد تكون من عناوين الهدى التي يلصقونها به زورا وبهتانا.
وتلك هي مشكلة كثير من الساذجين الذين يزعمون أنهم واعون ، عند ما يقدم لهم الشياطين الباطل في صورة الحق ، والانحراف ، باعتباره استقامة ، الشر بعنوان الخير ، فيزينون لهم سوء عملهم فيرونه حسنا ، ويضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، بسبب الغفلة المطبقة على عقولهم بحيث لا يثيرون أيّة علامة من علامات الاستفهام التي تفتح أبواب مناقشة