عن صفاء الرؤية لله ، وعن طهارة الروح التي تلامس الأشياء الطاهرة في احترام الإنسان في إنسانيته ، وفي الانفتاح على نقاء الحياة في الفكر والروح والشعور والحركة .. فانطلقوا يبحثون عن المجد الذي يرتفع فوق جماجم المستضعفين ، وعن اللذة التي يعتصرونها من آلام المحرومين ، وعن الحركة اللاهية العابثة المتنوعة التي ينطلقون بها بتجميد طاقات الآخرين تأكيدا لوجودهم وتأصيلا لحركتهم الذاتية.
.. وهكذا جاءهم موسى ليصدم ذلك كله ، وليفتح آفاقهم على نور جديد (فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) فقد جئت لأرفعكم من وحول الأرض إلى ينابيع النور المنهمر من السماء .. لتفكروا في الواقع بحجم الرسالة التي ينفتح الله بها على عباده ، ليرحمهم بروحيتها ، وليفتح قلوبهم على آفاقها ، وليجعلهم يفكرون في الآخرين بعد أن كانوا يفكرون بأنانية الذات ، وليحرّك طاقاتهم في سبيل إسعاد الناس في حياتهم بدلا من إسعاد أنفسهم المختنقة بشهواتهم ، فتعالوا إليّ ، لتستمعوا إلى آياته ، ولتعيشوا العمق الروحيّ لمعانيها ، والامتداد الفسيح لمواقعها ، والانفتاح الرحب في آفاقها ، لتعود إليكم إنسانيتكم التي فقدتموها ، وروحيتكم التي ضيعتموها .. فما ذا كان ردّهم على ذلك كله؟ وما الأجواء التي كانت تسيطر عليهم؟ لا شيء إلا السخرية التي تمتزج بها الضحكات اللاهية العابثة ..
* * *
قوم موسى يطلقون السخرية في وجهه
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) فكيف يمكن أن يكون هذا الإنسان الفقير القادم من مجتمع الاستضعاف رسولا من رب العالمين؟ ومن هو ربّ العالمين؟ وكيف يجرأ على أن يقدّم نفسه بهذه الصفة؟ وما الذي يريده من خلال ذلك؟ إن الأمر يدعو إلى الضحك الساخر لأن الموقف لا يوحي بأيّة