ليست متصلة بالجانب الروحي العميق الذي يلتقي بالعصمة من المعاصي وبالطهارة من الأدناس ، بل هي ناشئة من أن الطبيعة البشرية ـ في ذاتها ـ لا تنسجم مع النبوّة التي هي أمر يتعلق بالأفق الغيبي لله لإحساسهم بالعظمة الضبابية تجاه كل الأمور الخفية من الموجودات التي إذا لم يمنحوها الألوهية فإنهم يتحدثون عنها على أساس العلاقة العضوية بالله ، كما قالوا عن الملائكة بأنهم بنات الله ، وكما قالوا أمرا قريبا من ذلك ، عن الجن ، مما لا يتيسر للبشر الذين يعرفونهم ـ في نقاط قوتهم وضعفهم ـ بالحسّ المباشر ، أمّا مسألة النظم فقد يكفي فيه أن تكون المسألة واردة في الأجواء التي تثيرها رسالة عيسى عليهالسلام التي تحدثت عنها الآية السابقة على أساس ما جاء في سورة مريم ، وهي مسألة العلاقة بين البشرية والنبوّة ، التي أثاروها ضد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والله العالم.
* * *
الإيمان بالساعة يوصل إلى رضوان الله
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) ربما كان الضمير يرجع إلى عيسى باعتبار أنه ممن يعلم به الساعة ، لأن مظهر القدرة في خلقه من غير أب يوحي بالقدرة على قيام الساعة (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) أي لا تشكّوا بها ولا ترتابوا .. وفيه نوع خفاء في الدلالة ، وربما كان المراد به أنه من أشراط الساعة ، فإنه ينزل على الأرض فيعلم به قرب الساعة ، فلا تشكّوا بها آنذاك ، وهو غير واضح ، لأن الحديث عنها في زمان الرسالة ، وقيل إن الضمير يرجع للقرآن ، باعتبار أنه آخر الكتب المنزلة ، وهو غير ظاهر ، ولعل الأقرب هو تأكيد ما في القرآن من الأحاديث التي تثير قضية الساعة من جوانبها الذاتية ، ومن جوانب الفكرة في ساحة الصراع بين الرسالة وبين خصومها ، مما لا يدع أيّ ريب فيها من ناحية فكرية أو إيمانية في ما تحدث القرآن عن إمكان البعث وعن طبيعة الساعة في تقدير