واحد منهم يتحدث بطريقة لا يفهمها الآخر ، نتيجة المؤثرات الذاتية التي لا يملكون ـ معها ـ حكما يحكم بينهم ، في الحيثيات الفكرية ، أو في القوّة المهيمنة التي يخضع لها الجميع.
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فإن التقوى تمثل الخط المتوازن الذي يشعر الإنسان معه بالثبات في قضية الحركة والمصير ، لأنه يلتقي بالله في أوامره ونواهيه التي إذا انطلق الإنسان معها في دائرة الالتزام الواعي فإنه يصل إلى الهدى الذي لا ضلال معه ، وإلى الأمن الذي لا خوف معه ، كما أن طاعة النبيّ هي العنوان الكبير لطاعة الله ، وللمضمون الواسع للتقوى لأن من أطاع الرسول فقد أطاع الله ، لأنه لا يؤدّي عن ذاته في ما يبلّغه الناس ، بل يؤدي عن الله في ذلك كله.
(إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) فلست إلها يملك سرّ الألوهية ليدعوكم إلى نفسه ، بل أنا عبد لله ، ومربوب له ، كما أنتم مربوبون له ، ولهذا فإنني أدعوكم إلى إخلاص العبادة التوحيدية له لتعبدوه من موقع ربوبيته ، كما أعبده من هذا الموقع ، (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) لأن ذلك هو الذي يوحّد التصور العقيدي للإله ، كما يوحد التحرك في خط الاستقامة الذي يربط بين توحيد الله وحركة الإنسان في هذا الاتجاه.
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) فآمن به بعضهم ، وكفر به بعض آخر ، وبدت الرسالة موضعا للخلاف بدلا من أن تكون حلّا لما يختلفون فيه ، انطلاقا من النوازع الذاتية ، والمصالح المادية (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) لأن ذلك هو ما يستحقه الظالمون الذين يظلمون أنفسهم بالابتعاد عن الله ، ويظلمون الحياة كلها بالابتعاد بها عن خط التوحيد الذي هو أساس التوازن بين الإنسان والحياة من حوله.
* * *