إليهم ، فلا يملكون الخلاص منه بقدرتهم الذاتية ، فيلجئون إلى الله.
* * *
(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى)؟
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) فكيف تعذب من آمنوا بك ، ورجعوا عن الكفر ، وعرفوا أنهم كانوا ضالين .. ولكن إيمانهم ذاك ليس حقيقة ، فالكفر كان قرارا ثابتا عميقا في نفوسهم بسبب الكبرياء الذاتية وطلب الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية ، والنوازع الشهوانية ، مما يمنعهم من الانفتاح على الحق ، والتحرر من الغفلة المطبقة على عقولهم التي تبعدهم عن التذكر والعودة إلى الإيمان بالله الواحد ، (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) أي من أين لهم أن يحصلوا على الذكرى ، وقد أغلقوا نوافذ عقولهم عن الحق (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) على الرسالة وعلى الأمة ، في كل قضاياهم المصيرية وفي كل شؤونها العامة ، فلم يستجيبوا له ، ولم يستمعوا لكلامه ، (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) وأعرضوا عن الاستجابة له ، (وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) فهو لا يتكلم عن وحي إلهيّ ، بل يتكلم عن علم تعلّمه من غيره ، وهو لا ينطلق من عقل متوازن في نظرته إلى الأمور ، بل من حالة جنون لا تميّز بين المعقول واللّامعقول في طروحاتها الفكرية.
* * *
كشف العذاب لإلقاء الحجة
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً) عنكم ، لإلقاء الحجة وقطع العذر (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) إلى ما أنتم عليه ، أو إنكم عائدون إلى هذا العذاب يوم القيامة (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) في عذاب الآخرة الذي يحمل الهول كله والرعب كله (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) لا انتقام الذات ، كما تفعلون جراء انفعالاتكم الذاتية ، ولكن انتقام الرسالة للحياة الطيبة المؤمنة العادلة المستقيمة التي وقفتم في مواجهتها وقفة تمرد وعناد وعدوان.
* * *