يقول صاحب الميزان في توجيه ذلك : «إن آية السماوات والأرض تدل بدلالة بسيطة ساذجة على أنها لم توجد نفسها بنفسها ولا عن اتفاق وصدفة ، بل لها موجد أوجدها مع ما لها من الآثار والأفعال التي يتحصّل منها النظام المشهود ، فخالقها خالق الجميع وربّ الكل ، والإنسان يدرك ذلك بفهمه البسيط الساذج ، والمؤمنون بجميع طبقاتهم ، يفهمون ذلك وينتفعون به.
وأما آية خلق الإنسان وسائر الدواب التي لها حياة وشعور فإنها من حيث أرواحها ونفوسها الحية الشاعرة من عالم وراء عالم المادة وهو المسمّى بالملكوت ، وقد خصّ القرآن كمال إدراكه ومشاهدته بأهل اليقين كما قال : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام : ٧٥].
وأمّا آية اختلاف الليل والنهار والأمطار المحيية للأرض وتصريف الرياح ، فإنها لتنوّع أقسامها وتعدّد جهاتها وارتباطها بالأرض والأرضيات وكثرة فوائدها ، تحتاج إلى تعقّل فكريّ تفصيليّ عميق ولا تنال بالفهم البسيط الساذج ، ولذلك خصت بقوم يعقلون» (١).
وهناك وجوه أخر في تفسير هذا التنوع ، ولكننا نرجح ما ذكرناه أوّلا من رجوع القضية إلى التنويع في التعبير عن الفكرة الواحدة مراعاة للأسلوب البلاغي الجمالي في الشكل التعبيري.
أمّا الوجه الذي ذكره صاحب الميزان فقد نلاحظ عليه أن من الممكن إرجاع كل آية لكل واحدة من هذه النعوت .. فالآية التي استشهد بها على مسألة اليقين ، قد تحدثت عن ملكوت السماوات والأرض واستخدم فيها كلمة الإيمان في الآيات التي نتحدث عنها ، كما يمكن استخدام كلمة العقل
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٨ ، ص : ١٦٠.