أجواء الحاكم وضغوطه ، ليلقي إليه بما يواجه الفكرة المطروحة ، فإن ذلك هو السبيل الأفضل للوصول إلى النتيجة ، بدون سلبيات. ولعل روعة هذا الأسلوب الجديد في الحوار تكمن في أنك لا تلتقي فيه بصوت فرعون يرنّ في القاعة في جانب ، وصوت هذا المؤمن ينطلق في جانب آخر ، بل تسمع صوت موسى ينساب هادئا رساليا في بعض الحالات ، لتعطينا الصورة الرائعة للرسالة ، وهي تتحرك بين الرسول والطاغية من جهة ، وبين الطاغية والمؤمن بالرسالة من جهة أخرى. وهم جميعا يحاولون إيصال المجتمع إلى ما يريدون ، في الوقت الذي نشعر فيه أنه يمارس في المجتمع دورا حركيا مضادا بل يبقى خاضعا للتأثيرات النفسية والفكرية التي تأتي من هنا وهناك ، من دون أن يمارس دورا مستقلا ، لأنه لم يستطع التخفف من ضغط الجو الحاكم عليه تماما ، ولذلك ، كان يتأرجح بين رواسبه ومصالحه ، وبين مشاعره وأفكاره في عملية تجاذب وصراع.
(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) نلاحظ أن هذا المؤمن يتخذ في البداية مظهر الإنسان الحيادي البعيد ـ نسبيّا ـ عن موضوع الخلاف ، فيناقش المسألة المطروحة باعتباره فردا من أفراد العائلة الحاكمة ، بأسلوب هادئ خفيف ، فقد كان فرعون يطلب من قومه ، إعطاءه الحرية في قتل موسى دفاعا عن العقيدة والنظام ، اللذين جاء موسى لتخريبهما حسب ادعائه. وهنا يتدخل هذا المؤمن ـ في أسلوبه الواقعي الحذر ـ ليواجههم باستنكار فكرة قتل موسى لأنه قال : إن ربي الله ، في حشد من البيّنات والبراهين التي تدعم دعواه وتؤيّدها ، فهو لا يملك الرجال والسلاح لتخافوا منه على الملك ، فهو يطرح الفكرة من خلال الرسالة ، فاتركوه وشأنه ، فإن كان كاذبا فسيجني جزاء كذبه دون أن يصيبكم منه شيء ، وإن كان صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ، وهذا ما عبرت عنه الفقرة التالية : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ