خلالها ، فيقتلونهم ، ويسجنونهم ، ويعذبونهم ، ويظلّلونهم ، ويضغطون عليهم في مصالحهم ، وكان هؤلاء الضعفاء هم القوّة الغاشمة التي يسيطر بها الأقوياء على الضعفاء الآخرين ، ولولاهم لكان الضعفاء أقوى من المستكبرين ، لأن المستكبرين لا يمثلون عددا كبيرا في الأمة ، ولا قوّة هائلة فيها ، لأن قوتهم مستمدة من قوّة المستضعفين كما أن كثرتهم العددية ناتجة عن كثرة أتباعهم .. ولهذا كان الضعفاء يحملون كل أوزارهم التي استحقوا بها دخول النار ، لأنهم يملكون فكرا يمكّنهم من معرفة الحقيقة ، ويملكون إرادة تمكنهم من رفض الأوامر والنواهي الظالمة الطاغية ، ومواقع للقوة يستطيعون أن يبتعدوا بها عن مواقع الضعف .. فكانت مسئوليتهم في انحرافهم عن الخط المستقيم كاملة.
وهكذا وقف الضعفاء أمام المستكبرين ليذكّروهم بصفة التبعية التي أعطتهم القوة التي انطلق فيها ملكهم ، وكبرت فيها سلطتهم ، وامتدت بها مواقعهم ، وأخذوا يطلبون مساعدتهم في الآخرة كما ساعدوهم في الدنيا ، ظنّا منهم أنهم يملكون موقعا ضاغطا على الواقع الأخروي كما كانوا يملكون مثل هذا الموقع في الدنيا .. (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) فهم مقتنعون بأنهم لا يستطيعون تخليصهم من النار التي سيقعون فيها ، لذلك طلبوا منهم التدخل للتخفيف عنهم ، من قسوة عذابها .. وربما كان طلبهم ذاك ليس طلبا حقيقيا ينمّ عن اعتقادهم بقدرتهم على التدخّل ، بل كان هدفه تسجيل نقطة حادّة عليهم لأنهم كانوا سبب دخولهم النار ، من موقع دور التبعية الذي فرضوه عليهم باستغلالهم لنقاط ضعفهم. فهم يريدون أن يقولوا لهم ، في ما يوحي به هذا الاحتمال ، إذا كنتم تملكون في الدنيا القوة التي تستعرضون بها عضلاتكم المعنويّة ، فهل تملكون ذلك الآن؟! ليبقى السؤال متحديا ساخرا متحركا من موقع المرارة الروحية. (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها) فليست فيها ميزة للمتبوعين على التابعين ، ولا يملك أحد منا أيّة قوّة فيها ولم يكن لنا عذر ، كما لم يكن لكم أيّ عذر في ما جنيناه أو جنيتموه