يكذبوا عليه وقد دلّهم على مواقع المعرفة في داخل وجودهم ، وفي كل المظاهر الكونية المحيطة بهم والموجودة فوقهم ، لأن مقتضى ذلك أن يحبّوه ويخافوه ويعرفوه بما له من العظمة والكبرياء والجبروت ، فيمنعهم ذلك من الافتراء عليه بغير علم ، وعن نسبة الشريك إليه من دون أساس. ولكن الظاهر أن الواقع هو غير ذلك ، فنحن نجد الجن كما هم الإنس ، يكذبون على الله اتّباعا للمترفين منهم وللمستكبرين في ساحتهم ، غفلة عن الحق وعن النتائج المترتبة عليه.
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) في ما كانوا يعتقدونه من قدرة الجن على تخليصهم من المشاكل التي يتخبطون فيها ، والأخطار التي يتخوّفون منها ، والأمراض التي تحلّ بهم ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتعوذون بالجن بواسطة الكهان الذين يعتقدون بأنهم على علاقة بالجن ، فيوحون إليهم بما يزعمون أن الجن توحي إليهم به ، وقيل: إن الرجل من العرب كان إذا نزل الوادي في سفره ليلا قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، ونقل عن مقاتل أنّ أول من تعوّذ بالجن قوم من اليمن ثم بنو حنيفة ثم فشا في العرب.
(فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي أوصلوهم إلى الحالة الصعبة التي قد لا يطيقونها ، وفسر البعض ذلك بالطغيان الذي يمارسه الجن عليهم ، ولكن من الممكن أن يكون المقصود به النتائج السلبية التي قد تحصل لهم من خلال هذه الذهنية غير المتّزنة التي تقودهم إلى الخضوع لأفكار غير واقعية وللاعتماد على الكهان الذين لا يملكون أساسا في الاعتماد عليهم ، أو على بعض الجهال الذين يدّعون علاقة بالجن ، فيخيّلون للناس بأن هناك أوضاعا معينة لا بد من أن يأخذوا بها ليتخلصوا ـ بفضل الجن ـ من بعض مشاكلهم ، مما قد يؤدي بهم إلى كثير من حالات السقوط على أكثر من صعيد ، والله العالم.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) الظاهر أن المراد هو أن هؤلاء الإنس ظنوا كما