التشريعات التي تحدد للناس حقوقهم وواجباتهم فلا يطغى أحد في حقوقه ، ولا يضيع في واجباته ، وفي ما تثيره العقيدة في أسلوبها التربويّ الإيحائي من اختلاف وروحيّات وأفكار تجعل من الإنسان المسؤول عن الحياة ، فلا يحاول أن يسيء إليها أو يفسد فيها أو يبتعد بها عن الخط الذي أراد الله لها أن تسير فيه ، سواء في ذلك في علاقته بالأرض والإنسان والحيوان ، أو بكل المفردات التي تقع في نطاق مسئوليته. وهذا ما يفرض انفتاح الحياة في حركة الإنسان على الخير كله ، لأن الاستقامة على الخط ، تفرض توجيه الطاقات كلها نحو البناء لا الهدم ، والخير لا الشر ، والحياة لا الموت ، مما يجعل الخير يتحرك في الإنسان ، كما هي الأمطار وكما هي الينابيع ، في هطولها على الأرض الميتة لتحييها ، وفي تفجرها في رحاب الوديان والسهول لتبعث فيها الخضرة والرخاء العميم. وهذا هو قول الله سبحانه : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي كثيرا ، وهو ـ على الظاهر ـ وارد على سبيل الكناية تعبيرا عن الرخاء والسعة في الرزق ، باعتبار أن الماء هو الأساس في ذلك كله.
وهذا هو التلازم بين الاستقامة وبين الرخاء ، وهو الذي يريد القرآن تأكيده في وعي الإنسان ، على أساس أن ذلك هو الوضع الطبيعي الذي يفرضه اتجاه الطاقات في مجراها العادي الذي يملأ الحياة خيرا وبركة ، بينما يتمثل الانحراف في ابتعاد الطاقات عن النتائج الطيبة لتحل محلها النتائج الخبيثة البعيدة عن مصلحة الإنسان.
وخلاصة ذلك ، أن خراب الحياة وعمرانها بيد الإنسان ، فإذا أخلص لله فيها على منهاجه كانت الحياة جنة الله على الأرض ، وإذا سار بعيدا عن منهاج الله ، وانحرف عن خطه ، تحولت الحياة عنده إلى جحيم من الشقاء ، في ما ينتجه من الحروب والدمار والفساد.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لأن الرضى كما يمثل النعمة التي أنعم الله بها على الناس ،