ذلك عندنا أن يقال : إن الله ـ تعالى ذكره ـ أقسم بالمرسلات عرفا ، وقد ترسل عرفا الملائكة ، وترسل كذلك الرياح ، ولا دلالة تدل على أن المعنيّ بذلك أحد الحزبين دون الآخر ، وقد عمّ ـ جل ثناؤه ـ بإقسامه بكل ما كانت صفته ما وصف ، فمن كان صفته كذلك فداخل في قسمه ذلك ، ملكا أو ريحا أو رسولا من بني آدم مرسلا» (١) ، وبنحو ذلك قال في الناشرات : «فالريح تنشر السحاب ، والمطر ينشر الأرض ، والملائكة تنشر الكتب ، ولا دلالة من وجه يجب التسليم له على أن المراد من ذلك بعض من دون بعض ، وذلك على كل ما كان ناشرا» (٢) ، وبنحو ذلك قال في «الفارقات» (٣) ... وخلاصته الأخذ بإطلاق الكلمات ، لكل ما ينطبق عليها ، وقد نجد أن بعض الكلمات كالعاصفات لا تنسجم مع إرادة معنى الملائكة منها ، كما أن الملقيات ذكرا لا تنسجم مع الرياح والمطر بحسب الظاهر ، ولعل الأفضل هو عدم الالتزام بوحدة المعنى في الجميع ، في ما تنطبق عليه الكلمات ، بل يمكن أن يختلف المراد من إحداها عن الأخرى ، كما أنه ليس من الضروري التدقيق في ذلك ، لأن مثل هذه الأمور مما لم يرد فيها نص موثوق به عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو عن العترة الطاهرة من أهل بيته ، ولم يرد إسناد هذه المعاني من الصحابة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلنجمل ما أراد الله إجماله في ما يمكن أن يتّحد أو يتعدد.
(إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) فستواجهون ـ جميعا ـ يوم القيامة ، كحقيقة صارخة لا يمكن الشك فيها ، بل إنّ ثبوته في الوجود ، كثبوت هذه الظواهر الكونية التي تقع موقعا للقسم الذي يقسم به الله.
* * *
__________________
(١) الطبري ، ابن جرير ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان ، ١٤١٥ ه ـ ١٩٩٥ م ، م : ١٤ ، ج : ٢٩ ، ص : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.
(٢) (م. ن) ، م : ١٤ ، ج : ٢٩ ، ص : ٢٧٨.
(٣) انظر : (م. ن) ، م : ١٤ ، ج : ٢٩ ، ص : ٢٨٨.