اعتبرت آيات الذكر الحكيم انّ حقّ التقنين خاصاً بالله وحده ، ولا يحق لأحد مهما كان أن يتجاوز على هذا الحق أو يخترق حدود هذا المقام كائناً من كان ، ومن الملاحظ انّ الآيات التي وردت في هذا المجال كثيرة ، نكتفي هنا بذكر نموذجين منها ـ فقط ـ روماً للاختصار :
١. قال تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ). (١)
فإنّ جملة : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) تحكي وبوضوح تام انّ كافّة أنواع الحكم والقوانين والدساتير من شئونه ومختصاته وحده سبحانه وتعالى ، وبما أنّ شأن الحكم والتقنين مختص به أردفت الآية الجملة المذكورة بالأمر بعبادته وحده والخضوع له لا لغيره (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ).
٢. وقوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ). (٢)
إنّ الآية المباركة تشير وبوضوح تام إلى أنّ أهل الكتاب قد تجاوزوا الخط المرسوم لهم ، واقتحموا دائرة الحقّ الإلهي في الانفراد في التشريع والتقنين ، فمنحوا أحبارهم ورهبانهم هذا الحق ، وانّهم بدلاً من الرجوع إلى الكتاب السماوي وأخذ الأحكام منه رجعوا في ذلك إلى أحبارهم ورهبانهم ، ومن الواضح أنّ الرهبان والأحبار قد يحلّلون ـ ولأسباب ما ـ ما حرّم الله ويحرّمون ما أحلّ الله.
من هنا اعتبر القرآن الكريم أهل الكتاب غير موحّدين في التشريع
__________________
(١) يوسف : ٤٠.
(٢) التوبة : ٣١.