أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم. فقال عمر : «نعم البدعة هذه». (١)
ونحن هنا لسنا بصدد البحث عن جواز إقامة الصلاة المستحبة جماعة أو عدم جوازه ، بل نحن في الحقيقة في مقام البحث في التقسيم المذكور الذي كان مصدره كلام الخليفة الثاني.
لقد ذكرنا سابقاً أنّ البدعة التي تحدّث عنها الكتاب والسنّة هي التدخّل في أمر الدين بالزيادة أو النقيصة ، والتصرّف في التشريع الإسلامي من دون أن تكون لهذا التصرّف والتدخّل جذور في التشريع الإسلامي تدعمه لا على نحو العموم ولا على نحو الخصوص ، ومن هنا لا تكون البدعة إلّا أمراً قبيحاً محرّماً ، ولا يصحّ تقسيمها إلى حسنة وقبيحة بأيّ وجه من الوجوه.
نعم البدعة بالمعنى اللغوي تنقسم إلى قسمين ، فكلّ شيء مستحدث أو ظاهرة مستجدة يعتمدها الناس في حياتهم اليومية من العادات والتقاليد والرسوم ، إذا قاموا به من دون إسناده إلى الدين ولم يكن ذلك الشيء محرّماً بالذات شرعاً ، كان بدعة حسنة ، أي كونه أمراً جديداً مفيداً للمجتمع ، كما إذا احتفل الشعب بذكرى استقلاله في كلّ عام ، أو اجتمع للبراءة من أعدائه.
وأمّا ما كان محرّماً في ذاته فهو محرّم ومنهي عنه ولكن ليس من باب البدعة ، لأنّ الحرمة ناشئة من سبب آخر وهو وجود المفسدة في نفس ذلك الفعل ، مثل دخول النساء متبرّجات في مجالس الرجال.
إذاً البدعة المصطلحة ليس لها إلّا قسم واحد وهو كونها أمراً قبيحاً
__________________
(١) فتح الباري : ٤ / ٢٠٣ ؛ عمدة القاري : ٦ / ١٢٥ ، وانظر الصحيح : ٣ / ٥٨ ، كتاب الصوم ، باب فضل قيام رمضان.