وقد بسط المحقّق تقي الدين السبكي ـ أحد كبار محقّقي أهل السنّة ـ الكلام في هذه الآية وذهب إلى أنّ حكمها يشمل المسلمين في الوقت الحاضر أيضاً ، ولا تختص الآية بعصر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقط ، إذ بإمكان المسلمين أن يأتوا إليه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ويطلبوا منه أن يستغفر الله لهم. ومن كلامه في هذا المجال قوله : «دلّت الآية على الحثّ على المجيء إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم ، وذلك وإن كان ورد في حال الحياة ، فهي رتبة له ولا تنقطع بموته تعظيماً له». (١)
قد يقال : صحيح انّ الآية المذكورة والآيات الأُخرى نازلة في حقّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لبيان عظمته ومنزلته السامية ، ولكن من الناحية الواقعية والعملية أنّ الإتيان إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والاستغفار عنده وطلب الاستغفار منه ممكن في حال حياته ، وأمّا بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى أصبح هذا الأمر من الأُمور المتعذّرة التي لا يمكن القيام بها حتّى إذا أراد الإنسان ذلك.
والجواب : انّ الإشكال غير وارد وانّ الحقّ مع العلّامة السبكي ، وذلك لأنّ الدليل على شمولية الآية لحياته ومماته صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينحصر في هذه الآية فقط ، بل هناك أدلّة كثيرة تدلّ على أنّ حياته ومماته صلىاللهعليهوآلهوسلم على السواء ، ومن هذه الأدلّة :
الأوّل : انّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ الموت ليس نهاية الحياة وانعدام الإنسان ، بل هو في الواقع نافذة تطل على حياة أُخرى أوسع وأشمل وأفضل من هذه الحياة الدنيا ، وانّ الإنسان في ذلك العالم حيّ يسمع ويرى ، وخاصة الشهداء الذين ما تسقط منهم قطرة من دمائهم حتّى تتلقّاهم الملائكة بالبشرى والنعيم الدائم واللّذات الروحية التي لا يحصيها إلّا واهبها ، وقد ورد في هذا المجال
__________________
(١) شفاء السقام : ٨١.