٢. سكّان سائر البلاد الإسلامية
أمّا سكّان البلاد والمدن الإسلامية الأُخرى فعليهم إذا أرادوا التوجّه إلى قبلة نفوسهم وحبيب قلوبهم ومهوى أفئدتهم ، والسلام عليه ، أن يقطعوا الفيافي ، ويعانوا المتاعب ، ويتحمّلوا وعثاء السفر ، ومصاعب الطريق خاصة في العصور القديمة التي كانت فيها وسائط النقل بدائية أو معدومة أساساً.
ومن هنا يطرح التساؤل التالي نفسه : ما هو حكم هذا السفر وشدّ الرحال من وجهة النظر الشرعية؟
والجواب : إذا كانت زيارة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أمراً مطلوباً وعملاً مستحبّاً كما دلّت عليه الروايات المتضافرة والسيرة القطعية ، يكون شدّ الرحال الذي هو بمنزلة المقدّمة أمراً مستحبّاً ، بناءً على الملازمة بين استحباب الشيء واستحباب مقدّمته (١) كما عليه أكثر الأُصوليين.
نعم ، ذهب بعض الأُصوليين إلى عدم الملازمة ، ولكنّهم متّفقون على لزوم كون المقدّمة مباحة لا محرّمة ، لاستلزامه التناقض في التشريع ، حيث لا يعقل البعث إلى أمر ، مع المنع عمّا يوصل المكلّف إليه ، وعلى كلّ تقدير لا يصحّ تحريم السفر مع افتراض كون الزيارة أمراً راجحاً ، وفعلاً مستحباً ، فلا محيص من القول باستحبابه ، أو إباحته ، ولا تجتمع حرمة المقدّمة مع استحباب ذيها.
ولقد حدّثنا التاريخ الإسلامي أنّ سيرة المسلمين كانت قائمة ـ بعد رحيل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ من عصر الصحابة إلى يومنا هذا على شدّ الرحال ، والتوجّه إلى زيارة
__________________
(١) ذهب بعض المحقّقين إلى أنّ مقدّمة الأمر المستحب مستحبة أيضاً ، وقد استدلّوا على ذلك بالآية ١٠٠ من سورة النساء ، والآيات ١٢٠ ـ ١٢١ من سورة التوبة.