الفكرة ، وذلك لأنّ المتمعّن في الآية المباركة يجد في ذيلها الفقرة التالية : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) ، وهذا يعني أنّ الحياة التي تتحدّث عنها الآية المباركة للشهداء حياة لا يشعر بها الإنسان. ولا يمكن له الإحساس بها. والحال انّ المعنى الذي ذكره أصحاب تلك النظرية معلوم ، إن لم يكن للجميع ، فعلى أقل تقدير أنّه معلوم لطائفة كبيرة منهم ، حيث إنّ هناك الكثير ممّن يشعرون بهذا المعنى والمفهوم الاجتماعي للحياة ، وحينئذ لو كان هذا هو المقصود من الآية المباركة لكان قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) لغواً لا طائل فيه ، وبما أنّ كلامه سبحانه وتعالى منزّه عن اللغو والعبث ، فلا بدّ من الإذعان بأنّ الآية المباركة تتحدّث عن حياة أُخرى يعيشها الشهداء عند ربّهم سبحانه وتعالى تنسجم مع قوله سبحانه : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).
ب : قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
ج : قوله تعالى (١) : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). (٢)
ثمّ تردف الآية المباركة ذلك بقوله سبحانه : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ). (٣)
فهذه الباقة من آيات الذكر الحكيم تدلّ وبصراحة وقاطعية على الدرجة الرفيعة والمنزلة السامية التي ينالها شهداء الفضيلة ، ولم تكتفِ الآيات الكريمة بذلك ، بل أثبتت أنّ هؤلاء الشهداء لا انّهم أحياء عند ربّهم فحسب ، بل يتمتّعون
__________________
(١) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧١.
(٢) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧١.
(٣) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧١.