مثل «طلب الشفاعة من أولياء الله تعالى والصالحين من عباده» و «تكريم مراقد وقبور الأولياء والاهتمام بها» ولا يرى المسلمون في ذلك تضادّاً مع أصل التوحيد وتجاوزاً على حدوده ، وكان بعض الحاج من المسلمين يأخذ التراب من قبر سيد الشهداء حمزة (رض) (شهيد معركة أُحد) ليعمل منه مسبحة ، بل نرى أنّ الخاقاني الشرواني من شخصيات القرن السادس الهجري نظم قصيدة يطلب فيها ممّن يزور المدائن ـ قبر الصحابي الجليل سلمان المحمّدي (رض) ـ أن يعمل له مسبحة من تراب قبره الشريف ، ولقد كانت هذه القصيدة تقرأ على مرأى ومسمع من كبار المسلمين ، فلم تثر حفيظتهم ولم يروا فيها ما يضاد عقائدهم ، بل على العكس من ذلك كان كبار المجتمع المكي يكتبون قصائده بماء الذهب ، وكان الخليفة يدعوه إلى مجلسه ويستقبله بحفاوة وإكرام وتبجيل و .... (١)
وهكذا استمر الأمر في أوساط المسلمين إلى أوائل القرن الثامن الهجري ، حيث ظهر المدعو أحمد ابن تيمية ، الذي حاول التشكيك في بعض عقائد وسنن المسلمين وحاول أن يشير بأصابع الريب والشك إلى تلك العقائد معترضاً عليها باعتبارها مخالفة لأصل التوحيد وأنّها على الضد معه ، واعتبر أنّ الاعتقاد بها والعمل وفقاً لها ، يُعدّ نوعاً من الشرك وابتعاداً عن جادة التوحيد ، ومن النماذج التي اعتبرها ابن تيمية من مصاديق الشرك والابتعاد عن خط التوحيد مفهوم طلب الشفاعة من الأولياء ، حيث ذهب إلى أنّ أصل الشفاعة في الآخرة حق لا مرية فيه ، ولكن طلب الشفاعة من الأولياء في هذا العالم يُعدّ شركاً!
ومن هنا سنحاول ـ إن شاء الله تعالى ـ في البحوث القادمة أن نسلّط الأضواء على ادّعاءاته وأفكاره ، معتمدين في منهجنا هذا القرآن الكريم والسنّة
__________________
(١) انظر ديوان الخاقاني : ٣٢٣ ، المقدّمة بقلم محمد العباسي.