«التوحيد في الخالقية» حيث تصوّروا خطأ انّ المراد منه «انّه لا يوجد مؤثر وفاعل لا بالأصل ولا بالتبع إلّا الله سبحانه» وانّ العلل الطبيعية والأسباب المادية لا تأثير لها أبداً ، وهذا هو الرأي الذي تذهب إليه الأشاعرة.
أو الخطأ ناشئ من سبب آخر حيث تصوّر البعض خطأ انّ العلل المادية والأسباب الطبيعية مستقلة في فعلها وفي تأثيرها ، وهذا ما ذهبت إليه النظرية المادية.
ولا ريب أنّ كلا الاتجاهين باطل وكلا التصوّرين من قبيل الإفراط والتفريط ، وذلك لأنّ الاتجاه الثاني حصر العالم في إطار الرؤية المادية الضيقة ، وبطلان هذا الاتجاه بدرجة من الوضوح بحيث لا يحتاج معها إلى ردّ. فلا نطيل الكلام مع أصحاب هذه النظرية ، لأنّ بحثنا في حقيقة الأمر منصب على الكلام مع الإلهيّين الذين ينكرون الاتّجاه المادي ويقطعون ببطلانه.
ومن هنا نركز البحث على بطلان الاتّجاه الأوّل الذي أنكر تأثير العلل والأسباب الطبيعية ، فبالإضافة إلى مخالفته للوجدان الذي يلمس بما لا شكّ فيه تأثير تلك العلل والأسباب.
نقول : كيف يمكن إنكار تأثير العلل والأسباب الطبيعية في معلولالتها ونحن نجده سبحانه يصرّح في تأثير الماء في إخراج الثمر مثل قوله تعالى :
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ). (١)
من هذا المنطلق نذعن بأنّ المشيئة الإلهية اقتضت بأنّه ينبغي على الإنسان
__________________
(١) البقرة : ٢٢.