جواب الشبهة
إنّ هذه الشبهة يثيرها من لا علم له بألف باء القرآن الكريم ، فقد أثبتنا في بحوثنا السابقة أنّه من الممكن جداً نسبة الفعل إلى الله تعالى وإلى العبد في آن واحد ، وذكرنا لذلك نماذج متعددة من القرآن الكريم من قبيل : قبض الأرواح ، كتابة الأعمال ، وغير ذلك.
وذكرنا هناك أنّه لا منافاة بين النسبتين ، لأنّ نسبة الفعل لله على نحو الاستقلال ، ونسبته إلى العبد على نحو التبعية.
فإنّه تعالى يقوم بالفعل من دون حاجة إلى الاستعانة بغيره مهما كان ذلك الغير ، والحال انّ غيره إنّما يقومون بالعمل في ظل قدرته وعونه سبحانه ، ومن هنا يكون فعل العبد في الحقيقة هو فعل الله.
وعلى هذا الأساس لا مانع من حصر الاستعانة به سبحانه ، لأنّه هو الغني والمطلق ، وفي نفس الوقت نستعين بغيره بشرط أن لا تكون تلك الاستعانة في عرض الاستعانة به سبحانه ، لأنّ غيره لا يملك حولاً ولا قوّة ليكون في عرض الله سبحانه ، بل الحقيقة أنّ تلك الاستعانة تقع في طول الاستعانة به سبحانه وهي في المآل ترجع إليه عزوجل. وعلى أساس هذه الضابطة نجد القرآن الكريم الذي يحصر الاستعانة به تعالى في قوله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) هو نفسه يأمر بالاستعانة بغيره ويرشد إلى بعض الأُمور التي يمكن للإنسان الاستعانة بها ، كقوله تعالى :
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ). (١)
__________________
(١) البقرة : ٤٥.