أتباعك إلّا قعيد مربوط خفيف العقل؟! أو عامّي كذّاب بليد الذهن؟! أو غريب واجم قوي المكر؟! أو ناشف صالح عديم الفهم؟! فإن لم تصدقني ففتّشهم وزنهم بالعدل.
ثمّ انتقل الذهبي لبيان أُسلوبه ومنهجه الأخلاقي فقال : إلى كم تصادق نفسك وتعادي الأخيار؟! إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار؟!
إلى كم تعظمها وتصغر العباد؟! إلى متى تخاللها وتمقت الزهّاد؟ إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح ـ والله ـ بها أحاديث الصحيحين؟! يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك!!
ثمّ قال : أمّا آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟! بلى ـ والله ـ ما أذكر إنّك تذكر الموت ، بل تزدري بمن يذكر الموت ، فما أظنّك تقبل قولي ولا تصغي إلى وعظي.
وبعد إيراد وعظه أشار الذهبي إلى نكتة مهمة ، حيث قال : فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد ، فكيف حالك عند أعدائك؟! وأعداؤك ـ والله ـ فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء ، كما أنّ أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة ، وبطلة وعود وبقر ، قد رضيت منك بأن تسبّني علانية ، وتنتفع بمقالتي سرّاً ، فرحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي. (١)
هذه بعض كلمات الذهبي والتي لو تأمل فيها الإنسان لوقف على فداحة المنهج وخطر الفكر الذي كان يعتمده ابن تيمية ، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الرسالة جاءت على لسان مشفق محب ودود لا تحمله ضد ابن تيمية ضغينة حقد أو حسد أو عداء مذهبي.
__________________
(١) راجع السيف الصقيل : ٢١٧ ؛ والغدير : ٨٧.