يشهد التاريخ الإسلامي ومنذ زمن طويل أنّ مسلمي العالم كانوا يحيون ذكرى ميلاد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث يعتلي الخطباء الخطاب المنابر ، والمتحدّثون منصّات الحديث لبيان فضائله صلىاللهعليهوآلهوسلم والثناء عليه ، وبيان السجايا الأخلاقية والخلق الرفيع الذي كان يتحلّى به صلىاللهعليهوآلهوسلم ، صحيح أنّ التاريخ لم يحدّد لنا الزمن الذي نشأت به تلك الظاهرة بصورة دقيقة ، إلّا أنّ المسلّم به هو أنّ جذورها تمتد إلى مئات السنين من عمر التاريخ الإسلامي ، وأنّها كانت رائجة في مختلف أقطار العالم الإسلامي.
فهذا أحمد بن محمد المعروف بالقسطلاني من مشاهير أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر (المتوفّى ٩٢٣ ه ـ) ينقل لنا صورة عن سيرة المسلمين في الاحتفاء بذكرى الرسول الأكرم وتكريم تلك المناسبة ، إذ يقول :
ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده عليهالسلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبرّات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاته كلّ فضل عميم. وممّا جرب من خواصه أنّه أمان في ذلك العام ، وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام ، فرحم الله امرأً اتّخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشدّ علّة على من في قلبه مرض وأعياه داء. (١)
__________________
(١) المواهب اللدنية : ١ / ١٤٨.