السابقة عليها والتي تقول : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ومن هنا نعرف أنّ اللام الداخلة على كلمة الإنسان في قوله تعالى (لِلْإِنْسانِ) لا يراد منها الانتفاع ، بل هي بمعنى الاستحقاق ، ولقد أكّد علماء اللغة أنّ أحد معاني «اللام» الاستحقاق كما في قوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) (١) ، فعلى هذا الأساس لا علاقة للآية بمسألة الهدية والثواب.
وثانياً : على فرض التسليم بشمولية الآية ودلالتها على الثواب والعقاب معاً ، مع ذلك نقول : يوجد هنا أمران لا ينبغي الخلط بينهما :
١. انّ سعادة الإنسان وشقاءه مرهون بعمله وسلوكه ، فإذا كان محسناً فاعلاً للخيرات فلا ريب أنّه سعيد ، وأمّا إذا كان سيّئ العمل مذموم الطريقة والمنهج فلا ريب أنّ عاقبته الشقاء والخسران ، وهذا أصل قرآنيّ أكّدته آيات الذكر الحكيم حيث قال عزّ من قائل : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها). (٢)
٢. إذا قام الإنسان بعمل صالح ثمّ أهدى ثواب ذلك العمل إلى آخر قد رحل عن هذه الدنيا ، فإنّ الميّت ينتفع بثواب ذلك العمل الصالح.
ولا ريب أنّه لا منافاة بين هذين الأصلين ، لأنّ الأصل يمثّل قاعدة عامّة شاخصة للعيان في حياة الإنسان ، كما أنّ هذا الأصل يبيّن المحور الذي تدور عليه كلّ من السعادة والشقاء. والحال أنّ الأصل الثاني أصل فرعي وحالة استثنائية ، ومن الممكن بيان عدم التنافي بين الأصلين من خلال المثال التالي :
لو فرضنا أنّ إنساناً ما ينصح ولده ويقول له : إنّ سعادتك أو شقاءَك في الحياة رهن بعملك وسعيك ، وإنّ الأمل بالنجاح والسعادة بلا عمل أو كدح
__________________
(١) المطففين : ١.
(٢) فصلت : ٤٦.