معنى آخر ، كيف وأنّ ظاهر الحديث لو قلنا به فإنّه يخالف الذكر الحكيم ، أعني قوله سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). فأيّ معنى (١) لتعذيب الميّت ببكاء غيره عليه!!
فقه الحديث
كلّ هذه النقول توقِفنا على أنّ المراد من الحديث «إنّ الميّت يعذَّب ...» ـ إن صحّ سنده ـ غير ما يفهم من ظاهره ، وقد كان محتفّاً بقرائن سقطت عند النقل ، ولأجل ذلك توهّم البعض حرمة البكاء على الميّت استناداً إلى هذا الحديث ، غافلاً عن مرمى الحديث ومغزاه.
أخرج مسلم في صحيحه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : ذكر عند عائشة قول ابن عمر : الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، فقالت : رحم الله أبا عبد الرحمن ، سمع شيئاً فلم يحفظه ، إنّما مرّت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جنازة يهودي ، وهم يبكون عليه ، فقال : أنتم تبكون وانّه ليعذب. (٢)
وأخرج أبو داود في سننه عن عروة عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله عليه ، فذكر ذلك لعائشة فقالت ـ وهي تعني ابن عمر ـ : إنّما مرّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على قبر يهودي فقال : إنّ صاحب هذا ليُعذَّب وأهله يبكون عليه. ثمّ قرأت (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). (٣)
قال الشافعي : ما روت عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أشبه أن يكون محفوظاً
__________________
(١) فاطر : ١٨.
(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٤٤ ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه من كتاب الصلاة.
(٣) سنن أبي داود : ٣ / ١٩٤ ، برقم ٣١٢٩.