الكامنة في الإنسان ، وتهذيب تلك الغرائز والميول الإنسانية النزيهة وتطهيرها عمّا يشوبها من عوامل الدنس والانحراف اعتماداً على المنهج السماوي الذي جاءوا به ، وكأنّ وظيفتهم عليهمالسلام تشبه إلى حد ما وظيفة المهندس الذي يستغل إمكاناته ووسائله لاستنباط الكامن في الطبيعة من القدرات والإمكانات المخزونة فيها.
ولقد أشار أمير المؤمنين عليهالسلام إلى هذه الحقيقة بقوله عليهالسلام :
«فبعث فيهم رُسُله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول». (١)
والحقيقة أنّ هذا الميثاق هو نفس الأُمور الفطرية والميول الباطنية التي عجنت في خلقة الإنسان ، وأنّ خلق الإنسان مقروناً بهذه الغرائز والميول يُعد نوع ميثاق وعهد على الالتزام به والسير على نهجه.
ومن بين الأُمور الفطرية والجبلية من الغرائز الباطنية النزيهة التي حظيت باهتمام جاد ونالت منزلة خاصة هي غريزة الميل إلى التوحيد والوحدانية. الأمر الذي تتلخّص فيه جميع رسالات السماء وبرامج المصلحين الإلهيّين. ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله سبحانه :
(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). (٢)
إنّ هذه الآية المباركة ونظائرها من الآيات تشهد وبوضوح على أنّ نظرية «التوحيد في العبادة» وعبادة الله الواحد القهّار وحده لا شريك له ، ونفي عبادة
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة الأُولى.
(٢) النحل : ٣٦.