لفظ العبادة على من خضع لغرائزه وميوله ، فيقال لشديد الطمع والحريص على كنز المال والثروة أو المنحرف أمام تيار الشهوة الجنسية أو المتلهّف إلى الجاه والسلطان انّه عبد بطنه أو ماله أو فرجه أو عبد المنصب والجاه.
ومن الواضح انّ إفراط هؤلاء في الأكل أو كنز المال وتكديس الثروة وطلب الجاه والمنصب لا يكون عاملاً في إدخالهم في قائمة المشركين وإطلاق لفظ الشرك المصطلح عليهم أبداً ، نعم انّ العامل الذي جوّز استعمال هذه اللفظة في حقّهم هو انّهم تركوا زمام أُمورهم بيد تلك الغرائز والشهوات والميول تقودهم حيث تشاء ، ولذا عدّوا بنظر الناس عابدين لبطونهم ومناصبهم ، ... بل انّ هذه الاستعمالات المجازية جاءت في القرآن الكريم نفسه في موارد شبيهة لتلك الموارد المذكورة حيث قال :
(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ). (١)
فالإنسان الغارق في الغضب أو الشهوة والمنحرف مع ميوله وأهوائه المتساهل في أداء العبادات والتارك للفرائض أو شارب الخمر والمرتكب للزنا ، مطيع للشيطان ، وقد اقترف بعمله هذا المعاصي والموبقات ، ولكن ذلك لا يعني أنّه يعبد الشيطان كعبادة الله سبحانه ، أو كعبادة المشركين للأصنام ، ولأجل ذلك لا يكون مشركاً محكوماً عليه بأحكام الشرك ، وخارجاً عن عداد المسلمين وزمرتهم مع أنّه من عبدة الشيطان بالمعنى الوسيع الأعم من الحقيقي والمجازي.
ومن هنا يكون اعتماد هذين الطريقين ـ وإن كانا لا يخلوان من فائدة ما ـ
__________________
(١) يس : ٦٠.