وقالوا : إنّ المسيح جوهر واحد وأقنوم واحد إلّا (١) أنّه من جوهرين ، وربما قالوا : طبيعة من طبيعتين.
وانفردت النسطورية بقولهم : اللاهوت أشرق على الناسوت كإشراق الشمس على بلّورة وظهر فيه كظهور النقش على خاتم ، وقال بعضهم : حلول اللاهوت في الناسوت حلول العظمة والوقار ، وهو بناسوت المسيح أتمّ وأكمل ممّا عداه ، ووافقوا الملكائية : في أنّ القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته ، ومرادهم بالناسوت الجسد وباللاهوت الروح. هذا تفصيل مذهبهم ذكرناه ليوقف عليه. (٢)
__________________
(١) لا ـ خ : (د).
(٢) اكتفى المصنف قدسسره بنقل عقائد النصارى ليقف القارئ الكريم على هذه العقائد المضحكة ، ولم يتعرّض لدحضها وردّها تفصيلا ، لسخافتها وظهور بطلانها مما ذكره من صفات الواجب تعالى التي يعلم من المعرفة بها بطلان تلك العقائد الخرافية.
والقول الفصل في بطلان مذهب النصارى أنّ أساسه هو القول بالحلول والاتحاد ، وهما محالان ، ويلزم من مذهبهم التناقض ، وهو محال أيضا بالضرورة من العقل فأساس مذهبهم لا يقبله العقل السليم.
فنقول : معنى الحلول هو أن يكون الشيء موجودا في محل قائما به ، ومعنى الاتحاد هو أن يصير الشيئان أو الأكثر شيئا واحدا. أمّا بطلان الأوّل : فقد ثبت أنّ الواجب ما كان وجوده من نفسه ولا يحتاج في وجوده إلى غيره ، وما كان كذلك لا بدّ أن يكون غير متناه وإلّا لاحتاج إلى مكان ، وإذا لم يكن متناهيا فلا يعقل أن يحلّ في غيره ؛ لأنّه يحدّ به حينئذ فيكون متناهيا ، ولا يعقل أن يكون الشيء الواحد متناهيا وغير متناه. وأمّا إنّه لا يحلّ فيه غيره فهو أن المحلّ محدود بالحالّ ، وقد ثبت أنّ الواجب ليس بمحدود ، وإذا لم يكن الواجب محلّا فيستحيل أن تعرض له الأعراض ، لأنّها لا تعرض إلّا للمحل الذي تقوم به.
وأمّا بطلان الثاني فهو أنّ كلّ شيء اتحد بسواه لا بدّ أن يحدّ به ، والواجب إذا لم يكن محدودا فلا يعقل اتحاده بغيره ، ولا سيما إذا كان المتّحد به من الأجسام الصغيرة الضعيفة التي لا تقوى على شيء كالاجسام البشرية ، فإنّ تنزيل الواجب عن تلك العظمة والقوة الإلهيّة التي هي المبدأ لكل شيء ولكلّ العوالم المختلفة التي لا تحصى ، وبها قوام كل موجود إلى هذا الضعف والعجز الملازم لأجسام البشريّة العاجزة عن قهر ما هو أقوى منها من الموجودات ، وعن تصريف أدنى المحتاجات ـ غفلة ينفر عنها العلم الصحيح ويأباها ترقّي مدارك البشر في العصر الحاضر الذي تشعّبت فيه العلوم وانكشفت اسرار الكون ، أفيعذر العقل بعد تشعّب العلوم وترقّيها في هذا الأمر العظيم إذا انقلب عنها خاسئا إلى القول بأنّ مبدأ الكون ومنشأ وجود العوالم اتّحد بإنسان عاجز ضعيف قوامه الغذاء وحاجته إلى شرب الماء؟
هذا ما تقتضيه بداهة البرهان في عقيدة الاتحاد ومع قطع النظر عن الدليل نقول : إنّ الاتّحاد الذي زعمه ـ