الرؤية لاقترانها بالإبصار فيكون كذلك ، وإلّا لجاز إثبات الرؤية مع عدم الإدراك ، وهو باطل ضرورة ، وحينئذ نقول : تمدّح بنفي الإدراك لذكره بين مدحين ، فيكون إثباته له نقصا ، لأنّ التمدّح إنّما يكون بصفات الكمال ، فيكون عامّا بالنسبة إلى كلّ شخص وكلّ وقت ، فيكون سالبة كلية دائمة ، وهو المطلوب.
ولقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) (١) النافية للأبد ، واستعماله في غيره مجاز ، لسبق الأوّل إلى الذهن ، فبطل قول المجسّمة.
وأمّا الأشاعرة فإن نفوا الجسمية فقد أثبتوا الرؤية ، مخالفين لجميع العقلاء في ذلك.
وقال الرازي : مرادنا بالرؤية (٢) ليس ارتسام صورة من المرئي في العين ولا اتّصال الشعاع البصري به ، بل الحالة الحاصلة عند رؤية الشيء بعد العلم به.
واستدلّوا بأدلّة نقلية ستأتي ، ودليل عقلي تقريره : أنّه تعالى موجود ، وكل موجود مرئي ، وبيّنوا الكبرى بأنّ الجسم والعرض مرئيان ، ولهذا الحكم المشترك علّة مشتركة ، ولا مشترك بينهما إلّا الوجود أو الحدوث ، والعلّة ليست هي الحدوث ، لعدميته فيكون الوجود ، وهو المطلوب.
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٤٣.
(٢) ولسيدنا الإمام المتكلّم الأكبر السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي (ره) رسالة لطيفة في مسألة الرؤية ، وهي مطبوعة في صيدا (مطبعة العرفان) سنة ١٣٧١ وقد أثبت فيها قول الشيعة الإمامية القائلين بامتناع الروية في الدنيا والآخرة بالأدلّة العقلية والنقلية ، وزيّف كلّ ما ذكره الرازي ودحض شبهاته وتشكيكاته ، وهو إمام المشكّكين ، بما لا مزيد عليه قدّس الله تعالى روح سيدنا الإمام الراحل العظيم وأسكنه في بحبوحة جنانه ، وهو من أكابر مشايخنا في الرواية ، وعليه من الله تعالى شآبيب الرحمة.
وغير خفي على من له إلمام بالعلم واطّلاع على الكتب المؤلّفة في العلوم الدينية أنّ علماءنا رضوان الله تعالى عليهم كتبوا في هذه المسألة رسائل مستقلة قديما وحديثا ، ومنها الرسالة التي ألّفها باللغة الفارسية السيد العلامة المتضلّع الأعظم السيد ابو القاسم الرضوي قدّس الله روحه وسمّاها لا تدركه الأبصار في نفي رؤية الله بالأنظار ، المطبوعة في «لاهور» سنة ١٣٠٢ وفي مكتبتنا نسخة منها ومعها رسالة نفي الإجبار عن الفاعل المختار من تأليفه قدسسره.