فلم يبزغ في أكثر الآفاق ، ولتراكم سحائب عجميتها لم تطلع شمسها بالعراق ، ولمّا عرج إلى ساحة الغفران وانتقل إلى مقيل الرضوان ، فمرّت على ذلك برهة من الزمان إلى أن اتّفق للمولى المعظم العلامة السعيد «الجد الحميد» ركن الملّة والدين محمد بن علي الجرجاني محتدا والأسترآبادي منشأ ومولدا قدس الله روحه ونوّر ضريحه بالاستضاءة بأشعّة أنوارها والعثور على فوائدها وأسرارها ، فكساها من رياش لباس العربية ما صارت به شمسها في رائعة النهار» إلى آخر ما ذكره من أمثال هذه العبارات والكلمات الشريفة ، وإنّما نقلناها بطولها لما في طيّ كلماته من الإشارة إلى أهمية علم الكلام من بين العلوم الدينية وأنّه الأساس للعلوم الشرعية الإسلامية.
ولكن من المؤسف أنّه صار في عصرنا التعيس من العلوم المهجورة حتّى في الجامعات العلمية ، مع أنّه كان لعلم الكلام في أوائل هذه القرن الذي نحن نعيش فيه ، في الجامعة الكبرى للشيعة «النجف الاشرف» حلقات دروس عالية ومحاضرات كبيرة تسمّى في عرف العلماء دروسا خارجية ، وكان يرأسها ويتصدّى لها جمع من جهابذة العلماء والمتكلّمين يطول الكلام بالإشارة إلى أساميهم الشريفة في هذه المقدّمة ، وقد أشرنا إلى بعضها في تعاليقنا على كتاب الفردوس الأعلى (١) لشيخنا الأستاذ الإمام كاشف الغطاء قدس الله روحه.
ولكن قريبا من عصرنا لم يبق من تلك الحلقات أثر أصلا ، وصارت متروكة أبدا ، وانحصرت الدروس إلى محاضرات في الفقه وأصوله.
وقد أشرنا في تعاليقنا على الفردوس الأعلى قبل عدّة سنين ، وصدعنا قبل عدة أعوام: أنّ من نيّات أعداء الدين وخصماء المذهب من الأمم الأجنبية ومن مكائدهم الممقوتة هدم أساس جامعة «النجف الأشرف» وقلع أساسها ومحوها وإبادة مجدها وعظمتها وحطّها عن مقامها الشامخ ، الذي حاصل لها في العالم الاسلامي منذ أزيد من ألف عام. ومن نيّاتهم نسف حضارة الحوزة العلمية في النجف الأشرف ومحو نزعاتها الدينية ، ولهم السعي البليغ في تهيئة أسباب ضعفها وسقوطها وإرجاع الناس إلى غيرها وترغيبهم إلى سواها في أمر التقليد والفتوى.
__________________
(١) انظر الفردوس الأعلى ، من صفحة ز إلى ص يح ، الطبعة الثانية سنة ١٣٧٢ ـ تبريز.