الثاني : ما ذكره الغزالي في كتاب إلجام العوام : وهو أنّه تعالى يتصرّف في أجزاء العالم بواسطة العرش ، وأنّه لا يحدث صورة في العالم ما لم يحدثها في العرش ، كما أنّ النقّاش والكاسب لا يحدث صورة ما لم يحدثها في الدماغ بواسطة القلب ، وهذا الكلام مبنيّ على قواعد الحكماء ، وفيه ما فيه.
الثاني : ما يدلّ على الفوقية كقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (١) (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٢).
وأجيب بأنّ المراد بالفوقية : الفوقية بالقدرة والقهر ، قال الله تعالى : (بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٣) أي أزيد منها في صفة الصغر والحقارة ، وإذا كان اللفظ محتملا لذلك تعيّن له كقوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) والفوقية المقرونة بالقهر هو الفوقية بالقدرة والمكنة لا الجهة ، بدليل أنّ الحارس يكون فوق السلطان في الجهة ، ولا يقال : إنّه فوق السلطان ، ولقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (٤) (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (٥) (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) (٦) وغير ذلك.
ولأنّ الفوقية بالجهة ليست صفة مدح ؛ لأنّ تلك الفوقية حاصلة للجهة ، فلو كانت صفة مدح لزم أن تكون الجهة أفضل وأكمل من الله ؛ لأنّ صفة المدح حينئذ حصلت له بسببها.
وأمّا قوله في صفة الملائكة (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٧) ففيه جواب آخر ، وهو أنّه يحتمل أن يكون قوله : (مِنْ فَوْقِهِمْ) صلة لقوله : (يَخافُونَ) أي يخافون من فوقهم ربّهم ؛ لأنّهم يخافون نزول العذاب عليهم من جانب فوقهم.
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٨ و ٦١.
(٢) النحل ١٦ : ٥٠.
(٣) البقرة ٢ : ٢٦.
(٤) الحديد ٥٧ : ٤.
(٥) البقرة ٢ : ١٨٦.
(٦) المجادلة ٥٨ : ٧.
(٧) النحل ١٦ : ٥٠.